السيدة أ. هي امرأة من سكان القدس الشرقية، وهي خريجة اللقب الاول في القانون من جامعة بيرزيت أنهت تعليمها مؤخرا. في بداية الشهر الجاري (يناير 2023) توجهت لأول مرة في حياتها إلى مكتب العمل في القدس الغربية وذلك كي تضمن حقوقها في التأمين الوطني. في نفس الوقت قامت السيدة أ، بمبادرة منها، في الالتحاق بدورة للغة العبرية في مركز ريان للتوجيه المهني من منطلق الرغبة في الاندماج في سوق العمل.
عندما وصلت إلى مكتب العمل، واجهت سلوكًا مهينًا. فقد اشتكت الموظفة التي استقبلتها عن سبب قدومها إلى المكتب في غرب المدينة إذ كانت لا تجيد اللغة العبرية. عندما اتصلت بوالدها للمساعدة في الترجمة، رفضت الموظفة التحدث إليه. وبالتالي اضطرت الموظفه لاستدعاء موظف الذي جاء للمساعدة في الترجمة، لكنه بحسب أ. تبين بانه لديه معرفة سطحية للغاية باللغة العربية وبالتالي كانت ترجمته ضعيفة وغير دقيقة. اضافة الى ذلك كانت جميع الوثائق التي كان عليها توقيعها باللغة العبرية فقط، وهي لغة لا تتقنها كما ذكرنا. رفضت الموظفة قبول شهادة الجامعة القانونية التي تثبت أنها أكاديمية.
أيضا السيدة ع. مقيمة في القدس الشرقية، وهي أكاديمية أكملت مؤخرًا شهادة في تعليم اللغة في جامعة القدس بأبو ديس. على الرغم من محاولاتها العديدة، لم يتم تعيينها كمعلمة بعد، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن شهادتها غير معترف بها في إسرائيل. بينما تبذل السيدة ع. جهودًا لتنظيم الإجراء الرسمي للموافقة على شهادة التدريس الخاصة بها، بدأت العمل في شركة دولية حيث قدمت خدمات عبر الهاتف للزبائن. لكنه تم فصلها مؤخرًا بسبب إغلاق القسم في الشركة ولذلك توجهت إلى مكتب العمل.
السيدة ع. تريد أن تتعلم اللغة العبرية من أجل الاندماج في سوق العمل في القدس. ومع ذلك، حتى الآن، أحالها مكتب العمل فقط إلى وظائف في التنظيف ومساعدة المسنين. للاسف تم رفض جميع طلباتها للاندماج في دورة لتعلم اللغة العبرية أو دورات أخرى من شأنها أن تسمح لها بالعمل كمدرسة في القدس. وقالت لها الموظفة بأن مكتب العمل ليس لديه دورات تدريبية للناطقين بالعربية – بدلاً من توجيهها إلى البرامج الموجودة.
في مكتب معًا في القدس الشرقية، نلتقي يومياً مثل هذه الحالات، والتي تدل على وجود مشكلة منهجية. الغالبية العظمى من الأكاديميين الفلسطينيين من القدس الشرقية هم من خريجي الجامعات العربية الذين يجدون صعوبة في الاندماج في سوق العمل الاسرائيلي. أقرت السلطات بالإمكانات الكامنة في دمج هذه المجموعة في سوق العمل، لتحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي في القدس الشرقية، وخصصت الخطة الحكومية الخماسية موارد فريدة لهذا الغرض (القرار 3790 للحد من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والتنمية الاقتصادية في القدس الشرقية). في هذا الاطار خصص فريق وزارة القدس والتراث المسؤول عن التخطيط للخطة الخماسية المقبلة، ومعهد القدس للدراسات السياسية، العديد من الميزانيات والدراسات لهذه القضية.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالمواجهة الميدانية بين أكاديميين فلسطينيين وبين موظفين في مكتب العمل فإن الجهد يفشل، حيث يستمر الموظفون هناك بآرائهم المسبقة ازاء سكان القدس الشرقية، اذ يرون بهم سكانًا لا يرغبون في العمل، وبالتالي معاملتهم بموقف مهين وعدائي وإقصائي.
نوقشت الحاجة إلى دمج الأكاديميين الذين يعيشون في القدس الشرقية في سوق العمل من قبل الباحثة وطالبة الدكتوراه نيتا بورزيكي في دراستها “توظيف النساء الأكاديميات من القدس الشرقية” والتي نشرها معهد القدس لأبحاث السياسات. وبحسب الدراسة، فإن 85٪ من الأكاديميين في القدس الشرقية درسوا في مؤسسات فلسطينية وعربية. 30٪ من النساء الفلسطينيات في المدينة حاصلات على شهادة أكاديمية، لكن أقل من نصفهن (48٪) يعملن (مقارنة بمعدل 74٪ بين النساء العربيات من مواطنات إسرائيل).
معًا – نقابة عمالية، بالتعاون مع جمعية حقوق المواطن، قدمت قبل عدة سنوات التماسًا ضد مكتب العمل كان محوره المطالبة بتوفير كافة الخدمات لسكان القدس الفلسطينيين مثلما يتم مع المواطنين اليهود في المدينة. (محكمة العدل العليا 1291/20 كسواني وآخرون ضد مكتب العمل) وقد تعهد مكتب العمل بانه سيعيّن موظفون يتحدثون العربية في فرع يافا في القدس الغربية، ولكن رغم التغييرات التي حدثت نتيجة الالتماس، فإن الواقع يظهر كما يتضح من روايات أ. وع. بأن هناك نقص في الموظفين الناطقين باللغة العربية. يبدو بوضوح بأن موقف موظفي مكتب العمل يشكل عقبة امام استيعاب المواطنين الفلسطينين في القدس الى سوق العمل.
الوضع مريع بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالنساء المتعلمات، اللاتي يبذلن جهودًا لاكتساب المهارات المهنية، ولديهن الموارد لمساعدة الجمهور، لكنهن يواجهن موقف مخجل وغير لائق من قبل مسؤولي وموظفي مكتب العمل.