المقال بقلم تالي حروتي سوفر نشر في العبرية في صحيفة “دي ماركر” الاقتصادية في يوم الخميس 9/5 وكذلك في موقع “هآرتس” في اللغة الانجريزية. فيما يلي ترجمة النص العبري.
في الحديقة الصناعيّة أدوميم، المشغّلون هم إسرائيليّون والعمّال فلسطينيّون. رغم أنّ محكمة العدل العليا أقرّت أنّ القانون الإسرائيليّ يسري فيها، لكنّ المشغّلين يعتبرونها خارج القانون. “يستغلّوننا لأنّهم قادرون على ذلك”، يقول أحد العمّال.
تخيّلوا الوضع التالي: خمسة عمّال في غرفة صغيرة، يقفون ويرشّون دهانًا مضادًّا للحرارة على منتجات ألومنيوم. الغرفة تخلو من التهوئة، والعمّال يعملون بدون كمّامات واقية. يعرفون تمامًا أنّ ذلك يضرّ بالصحّة، لكنّهم لا يشتكون.
إليكم مثالاً آخر: 40 عاملاً يعملون في منطقة صناعيّة في وسط الصحراء، في الصيف الحارّ. لديهم ثلاّجة واحدة صغيرة. المياه الباردة تنفد بعد ساعة فقط، وحتّى آخر النهار يشربون ماءً من الحنفيّة التي في الخارج.
ومثال ثالث: في نهاية كلّ شهر يتقاضى كلّ عامل راتبه. يحصل على شيك- 90 شيقل عن كلّ يوم عمل فيه تسع ساعات (الأجر الأدنى هو 23 شيقل في الساعة). لا يحصل العمّال على قسيمة راتب، ولا حقوق اجتماعيّة وبدل نقاهة وأيّام عطلة أو مرض، هذه أحلام بالنسبة لهم. يأخذ العامل الشيك لصرّاف ليستبدله نقدًا ويدفع له عمولة بنسبة %2.
في بعض الأحيان يطلب العامل سلفة على حساب الراتب تبلغ 500 شيقل، وصاحب العمل يخصم من راتبه 1000 شيقل- ببساطة لأنّه قادر على ذلك. كما ويخصم من ساعات عمله ويسجّل 8 في اليوم، بدلاً من 10 الساعات التي عمل فيها. إذا كان العامل مريضًا، يخصمون من راتبه 20 شيقل مقابل مقعده في السيارة التي تقل العمال لأنّ المقعد بقي خاليًا. إذا طالب العامل بحقوقه، يُفصَل من العمل في الحال.
في الحديقة الصناعيّة أدوميم التي في منطقة مستوطنة معليه أدوميم، معظم العمّال وورشات العمل تتبع لإسرائيليّين. يأتي العمّال من فلسطين- من أريحا وأبو ديس ومن بلدات أخرى في الضفة الغربية في محيط القدس. سلطات تطبيق القانون الإسرائيليّة لا تصل إلى هذا المكان، وهناك شهادات كثيرة تفيد بأنّ الفوضى تعمّ المكان.
“يستغلّوننا لأنّهم ببساطة قادرون على ذلك”، يقول عبد الله (اسم مستعار) من أريحا. “الجملة التي يردّدها أصحاب العمل دائمًا هي – اذهب إلى فلسطين. يعلم أصحاب العمل أنّ الأجر في فلسطين هو 50 شيقل في اليوم، لذلك 90 شيقل هي مال كثير. نعرف حقّ المعرفة أنّ القانون الإسرائيليّ الذي يُفترَض أن يسري هنا، بعيد عنّا كلّ البعد. إنّنا نعمل في إسرائيل ونريد أن نحصل على مستحقّاتنا، لا أقلّ ولا أكثر”.
في الآونة الأخيرة دخلت نقابة العمّال “معًا” إلى المنطقة. “يتوجّه إلينا عمّال ويحدّثوننا عن أحداث تتكرّر”، يقول أساف أديب، مدير عامّ النقابة. “نتحدّث دائمًا عن استغلال واضح وسلب لحقوق العمّال. كنقابة عمالية تمثيّلية، بامكاننا تقديم المساعدة للعمال في إقامة لجنة عمّالية تنظّم شؤونهم أمام الإدارة. بسبب تاريخ هذا المكان، نعلم أنّ ذلك ليس بهذه البساطة”.
بلاد بلا قانون
كي نفهم ما يحدث في ميشور أدوميم، الاسم الأكثر مألوفًا لهذه المنطقة، علينا أن نعود في ذاكرتنا إلى الوراء. تأسّست الحديقة الصناعيّة عام 1998، وتديرها الشركة الاقتصاديّة لتطوير معليه أدوميم. هذه الحديقة الصناعيّة ليست حديقة صناعيّة فقط، وإنّما منطقة صناعيّة تقليديّة فيها مصانع كبيرة- مثل صودا ستريم واكستال ورامي ليفي- لكنّ معظم المصالح هي ورشات عمل صغيرة ومتوسّطة في مجالات تقليديّة مثل الألومنيوم والخشب والنسيج. تقع الحديقة الصناعيّة في خطّ التماسّ بين إسرائيل وفلسطين، وتعتبر من المنطقة c التي تحت السيطرة الأمنيّة والمدنية الإسرائيليّة. هذا التعريف يلزم العمّال الفلسطينيّين بالحصول على تصريح عمل، والمشغّلون الإسرائيليّون يعتبرونها خارج القانون.
“هذه المنطقة هي “نو مانس لاند” (No man’s land) ، يقول أساف أديب، “لا يسري القانون فيها. من جهة، مفتّشو وزارة الصناعة والتجارة والتشغيل لا يأتون إلى المنطقةc لأنّها لا تقع تحت السيادة الإسرائيليّة. ومن جهة أخرى، هم الوحيدون الذين يمكنكم تطبيق قوانين العمل”. معاناة العمّال من الاستغلال بالذات في هذه المنطقة ليس بمحض الصدفة. حقيقة أنّنا نتحدّث عن خطّ التماسّ، أوجدت وضعًا قانونيًّا غريبًا في ميشور أدوميم- حتّى 2007 لم يكن واضحًا ما هي قوانين العمل في هذا المكان، واستندت القوانين عمليًّا إلى القانون الأردنيّ من سنة 1966. “هذا القانون قديم جدًّا، لا ينظّم حقًّا حقوق العمّال”، يقول أديب. “حتّى عام 2007 كان من الصعب مطالبة المشغّل بقسيمة أجر أو أيّام عطلة”.
أقرّت محكمة العدل العليا سنة 2007، في قرار يُعرَف باسم قرار محكمة العدل العليا في قضيّة خطّ للعامل، أو قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ، أنّه في المستوطنات وفي المناطق الصناعيّة المتاخمة لها، يسري القانون الإسرائيليّ بكامله. “لا يمكن التمييز بين عمّال إسرائيليّين وبين زملائهم الفلسطينيّين، الذين لا يختلفون عنهم في أيّ شيء، باستثناء هويّتهم القوميّة”، حسب ما ورد في الجملة الإجماليّة في قرار الحكم. “كان قرار الحكم هذا تحوّلاً هامًّا”، يقول أديب. “نشأت مرجعيّة قضائيّة مكّنت العمّال من عدم الموافقة بعد الآن على استغلالهم وسلب حقوقهم، كذلك بأثر رجعيّ منذ سريان مفعول القرار”.
أدركت المصانع الكبيرة أنّه لا خيار لها إلاّ تنظيم الموضوع، وبالفعل قامت بذلك على وجه السرعة- في أغلب الأحيان على أثر تهديد بتقديم دعوى. مصنع الألومنيوم إكستال، على سبيل المثال، أعدّ نفسه للتغيير بعد أن صرّح عاملان أنّ بنيّتهما تقديم دعوى، وأدركوا في المصنع أنّه لا خيار آخر أمامهم. بخلافهم، معظم ورشات العمل تجاهلت قرار محكمة العدل العليا، ويواصلون التصرّف وكأنّ القانون غير موجود.
“بحسب تقديراتنا %95 من المصانع الصغيرة تواصل العمل بنفس الطرق”، يضيف عبد الله، الذي يعرف جيّدًا الشركات التي تعمل في المنطقة الصناعيّة، “إلاّ أنّ هناك عددًا كبيرًا من العمّال لا يوافقون على قبول هذه التصرّفات، ويتقدّمون بدعاوٍ الى محكمة العمل”. مع مرّ السنين تكونت صناعة تقديم الدعاوى ضدّ المشغّلين. “هناك الكثير من المحامين الذين يعملون في هذه الدعاوى، قسم منهم محامون متمرّسون وبعضهم أقلّ تمرّسًا”، يقول عبد الله.
كيف تعمل هذه الطريقة؟
“يتوجّه العمّال إلى المشغّل ويطالبون بحقوقهم- بأثر رجعيّ أيضًا. يفعلون ذلك بعد أن توجّهوا إلى محامٍ، الذي كان قد فحص حقوقهم وحدّد المبلغ. هناك مشغّلون على استعداد للدفع، لكنّ معظمهم يفعلون أحد أمرين- مماسرة الضغط على العامل كي يوافق على جزء قليل من حقوقه ويبقى في العمل او فصله على الفور. أنا مثلاً، توجّهت إلى المشغّل، ألومنيوم كونستركشن، وطلبت 40 ألف شيقل مقابل أربع سنوات. فصلني من العمل، ولا يريد الحضور إلى المحكمة، لأنّه يعلم أنّها ستحكم لصالحي. كان المشغّل على استعداد لحلّ وسط بمبلغ 13 ألف شيقل. توجّهت إلى نقابة “معًا” التي وجهت له راسلة وعل اثر ذلك هو الآن مستعدّ أن يدفع لي 16 ألف شيقل، لكنّ هذا المبلغ غير كافٍ. أنا لست الوحيد بالطبع، هذه التصرّفات تتكرّر على الدوام”.
وماذا يحدث لاحقًا؟
“إذا لم يدفع نذهب إلى المحكمة. لا خيار لدينا.”
وهل هناك عمّال مستعدّون للتوصّل لتسوية؟
” يوافق عدد كبير من العمّال على مبالغ أقلّ ليحافظوا على مكان عملهم، قسم منهم يعمل في هذه المصانع
10 سنوات أو 20 سنة. الأمر ليس بسيطًا. ليس لدينا أماكن عمل، والمشغّلون يستغلّون نقاط ضعفنا.”
ومن ليس على استعداد للتنازل؟
“يذهب إلى المحكمة ويخاطر بخسارة عمله”.
كيف يدفعون للمحامي؟
“من المبلغ الذي يحصلون عليه من المحكمة. هذا ما يحفّزهم على تقديم الدعاوى. لا يدفع العامل للمحامي من ماله.”
هل المصانع المستعدّة للتوصّل إلى تسوية، تطبّق قوانين العمل من الآن فصاعدًا؟
“قسم قليل منها نعم، ومعظمها لا”.
حنّه زوهر من خطّ للعامل تروي لنا قصّة صعبة أخرى عالجتها الجمعيّة: “إدارة ألومنيوم كونستركشن طلبت من العمّال التوقيع على اتّفاقيّة تنازل بأثر رجعيّ”. وأضافت: “ثلاثة عمّال لم يوافقوا وأصرّوا على موقفهم. توجّهت الإدارة إلى الشرطة وقدّمت ضدّهم دعوى بأنّهم قاموا “بالتسبيب بأضرار”. في اللحظة التي تُقدَّم فيها دعوى ضدّ عامل فلسطينيّ، يُسلَب منه تصريح الدخول إلى العمل. هذا عقاب شديد جدًّا، ومخيف أيضًا. يسهل على المشغّل المستغلّ التوجّه إلى الشرطة والإبلاغ عن أيّ شيء كوسيلة ضغط. في نهاية الأمر، اقترحوا على أحد العمّال مبلغًا ماليًّا كبيرًا وتنازل عن الدعوى. أمّا العاملان الآخران فقد عملنا جاهدين لاستعادة تصريح عملهما، وما زالت المحكمة تبتّ في القضيّة.”
“لن يتغيّر شيء هنا حتّى يُعاقَب المشغّلون المستغلّون”، يضيف أديب. “إذا حضرت سلطات تطبيق القانون إلى هنا وفرضت النظام، سيرتدع المشغّلون والأمور ستسير في منحًى آخر. في هذه المرحلة، يعمل قسم من العمّال في أماكن مستوى الأمان فيها متدنٍّ للغاية وتهدّد حياة العمّال، وبالطبع تهدّد قدراتهم الاقتصاديّة أيضًا.”
” في سنة 2009 توجّه إلينا 50 عاملاً فلسطينيًّا من كسّارة سلعيت، التي بالقرب من ميشور أدوميم، وقدّمنا لهم العون لإقامة لجنة عمّال. عانى هؤلاء العمّال من نفس المشاكل- انعدام الأمان في العمل والدفع بالشيكات أو نقدًا، بدون دفع قسيمة اجر أو حقوق، ومبالغ هزيلة مقابل ساعات عمل طويلة. في هذه الأثناء انتقلت الكسّارة إلى ادارة المحكمة بعد اعلان الافلاس، علما بان العمّال لم يستطيعوا حتّى التوجّه إلى التأمين الوطنيّ للحصول على أجورهم لأنّ المشغّل الذي دفع مبالغ ضئيلة بشكل غير رسميّ، لم يدفع رسوم التأمين الوطنيّ لهؤلاء العمّال. الأمور تصل إلى هذا الحدّ.”
يحضّرون مقاعد للكنس
في هذه الأيّام يقوم ناشطو نقابة “معًا” بمساعدة العمّال في شركة ليڤي للصناعات المعدنيّة والخشبيّة التي يمتلكها الإخوان مردخاي وحاييم ليڤي، وتُنتِج منتجات خشبيّة ومعدنيّة خاصّة، منها مقاعد للكنس. يعمل في هذه الشركة عمّال فلسطينيّون فقط (وسائق شاحنة يهوديّ). حسب شهادات العمّال، يتقاضون 90 شيقل مقابل 8.5 ساعات عمل في اليوم، بدون قسيمة راتب وبدون حقوق اجتماعيّة.
شروط العمل صعبة. “اتّصل بنا في شهر شباط 15 عاملاً، الذين يشكّلون أغلبيّة عمّال المصنع، ووقّعوا على استمارات انضمام إلى “معًا””. يقول أديب. “طلبنا الاجتماع مع أصحاب الشركة للشروع في مفاوضات حول اتّفاقيّة جماعيّة، لكنّهم تجاهلوا ذلك. بعد أسبوعين قام أصحاب الشركة بفصل ستّة عمّال بدون إنذار وادّعوا أنّ فصلهم كان بسبب تقليصات في العمل. ليس لدينا ادّعاءات ضدّ الفصل بسبب التقليصات، لأنّه في بعض الأحيان لا خيار آخر، لكنّ هذا المشغّل يستمرّ في مخالفة القانون يوميًّا في كلّ ما يتعلّق بالدفع وحقوق العمّال. في هذه المرحلة لا يتحدّث معنا. وكلّنا أمل بأن يتراجع عن موقفه.”
حتّى الآن عبد الله وزملاؤه الذين يصرّون على تنظيم علاقات العمل في ميشور أدوميم، عاطلون عن العمل، لكنّهم في الواقع ليسوا قلقين. إذا تفاقم الوضع، فسيجدون مصنعًا آخر في المنطقة الصناعيّة وسيوافقون على الحصول على قروش مقابل العمل الشاقّ. على السؤال إذا كانوا في المصانع الأخرى سيوافقون على تشغيلهم مع أنّهم يعلمون بمطالبتهم بحقوقهم يردّ عبد الله مبتسمًا: “هؤلاء المشغّلون لا يعرفوننا. العمّال يذهبون ويأتون، وحتّى لا يهمّهم أن يعرفوا من نحن. يقبلوننا للعمل مرّة أخرى، لأنّهم ببساطة لا يذكروننا”.
ردّ مردخاي ليڤي للصناعات المعدنيّة والخشبيّة: “كلّ هذه الادعاءات هي مجرد هراء. أردّ على العمّال وجهًا لوجه فقط، ليس من خلال الصحافة”. أمّا من ألومنيوم كونستركشن، فلم نتلقَّ ردًّا.
ردّ وزارة الاقتصاد: “الوزارة على علم بالوضع وتدأب في الآونة الأخيرة بالتعاون مع وزارة العدل والإدارة المدنيّة في المناطق، على تعديل القوانين الأمنيّة في المنطقة، بحيث يمكن التحقيق وتطبيق قوانين العمل في المناطق التي خارج الخطّ الأخضر. يتمّ العمل بالأخذ بالاعتبار أوامر القانون الدوليّ والنظام القانونيّ القائم، لحماية احتياجات السكّان عامّةً وحقوق العمّال خاصّةً. اليوم، كما أسلفنا، الوزارة ليست مخوَّلة بتطبيق القانون في البلدات التي خارج الخطّ الأخضر، باستثناء المخالفات التي تتعلّق بقانون الأجر الأدنى وقانون العمّال الأجانب. مع ذلك، إدارة تطبيق القوانين والتنظيم في وزارة الاقتصاد ستفحص المعلومات التي وردت إليها في إطار صلاحيّتها القائمة اليوم”.