عشيّة مؤتمرها العامّ لسنة 2013، تطرح نقابة معًا بعض الافكار حول الواقع السياسي والاجتماعي وما يترتب عليه لبناء نقابة عمالية يهودية -عربية تقدمية في اسرائيل اليوم. خلافًا للخط الذي يعتمده رئيس الهستدروت عوفر عيني في سعيه للوصول الى صفقات مع الحكومة ومع ارباب العمل في اطار التزامه بالخطوط العريضة للسياسة الاسرائيلية وحاجات المؤسسة الحاكمة، تبني نقابة معا بديلا ديمقراطيا وترى بان مهمتها الرئيسية هي تنظيم وحماية الشرائح الفقيرة والمهمشة من الطبقة العاملة التي اهملتها الحكومات الملتزمة بالنهج الرأس مالي المتوحش. اننا نطور نقابة من طراز جديد تمد ايديها الى ثورات الربيع العربي والى النقابات المستقلة في البلدان المجاورة والى طموح الشعوب في المنطقة الى الحرية والعدالة الاجتماعية لاننا نرى ان العامل المشترك بين العمال في مصر وفلسطين واسرائيل اكبر من الفجوات والاختلافات بينهم.
اساف اديب*
يُعقَد يوم السبت 15/6 في مدرسة “منشار” للفنون في تل أبيب المؤتمر العامّ السنوي الذي تنظّمه “معًا” للمرّة الرابعة عشرة بحضور ممثّلي مجموعات العمّال الذين تنظّموا في السنة الأخيرة في إطار نقابة العمّال “معًا”. وفي ذروة اتّساع دائرة نشاطات “معًا” في صفوف تنظيم طبقات متنوّعة من العمّال، ابتداءً من سائقي الشاحنات وعاملات الزراعة وعمّال البناء وعمّال المصانع العرب واليهود، وحتّى معلّمي الكلّيّات.
في الوقت الذي يسير فيه في أرجاء الشرق الأوسط، من تونس ومصر وحتّى سورية واليمن والبحرين، ملايين العمال والشباب في الشوارع مطالبين بإحقاق الديمقراطيّة والعدالة الاجتماعيّة، نجحت القوى المحافظة في إسرائيل في إخماد الاحتجاج الاجتماعيّ الهائل الذي ظهر في صيف 2011. ان الحكومة التي تألّفت في آذار 2013 بمشاركة أحزاب اليمين السياسيّ والاقتصاديّ، تعمل اليوم على إقرار ميزانيّة معادية للشّعب وتخطّط لشنّ هجوم عامّ ضدّ العمل المنظّم.
إلى جانب سياستها الاقتصاديّة – الاجتماعيّة اليمينيّة الواضحة، تنتهج الحكومة سياسة عسكريّة عدوانيّة تجاه الفلسطينيّين والعالم العربيّ، وتحوّل ميزانيّات ضخمة من أجل توسيع مناطق الاستيطان في الضفّة الغربيّة وزيادة الميزانيّات التي تموّل الاحتلال. هذه السياسة اليمينيّة تتبين في رفض الحكومة الاستجابة للتوجّهات المتكرّرة من العالم العربيّ والفلسطينيّين والمجتمع الدوليّ ومؤيّدي السلام في البلاد من أجل التوصّل إلى تسوية سياسيّة تشمل الانسحاب من المناطق التي احتلّتها إسرائيل عام 1967، وإقامة دولة فلسطينيّة مستقلّة.
رغم غياب المعارضة السياسيّة والاجتماعيّة الدائمة في الكنيست، إلا أنّنا شهدنا حراكًا شعبيًّا ضدّ الحكومة، خاصّة في النقاش حول الميزانيّة المجحفة، التي أعادت الحراك الاحتجاجيّ إلى الشوارع بعد سنتين من الجمود. من جهة أخرى، نشهد انضمام مجموعات عمّال جدد إلى “معًا” وإلى منظّمات عمّاليّة أخرى. تعبّر هذه الظاهرة عن الوعي المتزايد لدى عدد كبير من الإسرائيليّين للتهديد الكبير المتوقّع حدوثه في السنوات القليلة القادمة في مستوى المعيشة وحقوق العمّال. لا يقتصر المسّ بالأجور وشروط العمل والأمن التشغيليّ بمستقبل العمّال على العاملين غير المهنيّين وغير المتعلّمين، بل نراه يتعدّى هؤلاء إلى استمرار التعاقد الخارجيّ والخصخصة في البلديّات والمكاتب الحكوميّة والمدارس والكلّيّات والمستشفيات وشركات التكنولوجيا الراقية.
إسرائيل ليست مصر، ووضع العمّال هنا أفضل بكثير من وضع زملائهم الفلسطينيّين الذين يعيشون خلف جدار الفصل. لكنّ القاسم المشترك بين العمّال المصريّين والفلسطينيّين والإسرائيليّين أكبر من الأمور التي قد تفرّق بينهم. يعاني المزيد من العمّال في إسرائيل من البطالة أو يضطّرون للعمل ساعات طويلة بدون أمن تشغيليّ. من أجل تغيير هذا الواقع هناك حاجة لاقامة نقابة عمالية مستقلة ملتزمة بمصالح العمال ولها استعداد نضالي شعبي.
لسوء الحظّ، ليس هذا ما يصدر عن رئيس الهستدروت الجديدة، عوفر عيني، الذي بدلاً من أن يقف وقفة صارمة أمام حكومة نتنياهو – لپبيد – بنط وأمام هجومها على العمّال، يحاول التوصّل إلى تفاهم معها، بهدف منع المسّ بمراكز قوّته. الاتّفاقيّة التي توصّل إليها عيني مع وزير الماليّة لپيد، وظهوره معه في المؤتمر الصحفيّ مطلع ايار الماضي، بالضبط في اليوم الذي أعلن فيه عن خطواته الماليّة المجحفة بحق الجمهور العام، شكّلا محاولة لتجنّب الهجوم على لجان العمّال الكبيرة، التي يستند عيني عليها. الرسالة التي يمررها رئيس الهستدروت واضحة وهي موجهة الى الجمهور العريض الذي يعمل بأجر أدنى وبدون حقوق، والذي تنازلت الهستدروت عنه منذ زمن بعيد. يعلن عيني أنّه يعتبر “دولة إسرائيل فوق الجميع”، ولذلك يؤيّد الأجندة العدوانيّة والعنصريّة التي تنتهجها الحكومة. يخدم عيني أقلّيّة صغيرة من العمّال اليهود الذي يتمتّعون بحقوق زائدة على حساب مصالح الأغلبيّة الكبيرة من العمّال في إسرائيل وعلى حساب السلام في المنطقة.
لا تتّفق نقابة العمّال “معًا” بتاتًا مع النهج الذي يسير عليه عوفر عيني في الهستدروت. بدلاً من نظرة ضيّقة لمجموعة ضغط تدافع عن المصالح الخاصّة بها وتتجاهل ضائقة ونضال غير التابعين لها، تنتهج نقابة العمّال “معًا” نهجًا اجتماعيًّا سياسيًّا يتّصف بالمسؤوليّة الشاملة تحت شعار “عدالة واحدة للجميع”.
تشكّل “معًا” كنقابة مستقلة للعاملين، مركِّبًا رائدًا في الحراك الاحتجاجيّ، علما بانها كنقابة ملتزمة بالتعاون مع كلّ من يناضل ضدّ الحكومة اليمينيّة المتطرّفة وتعمل الى جانب ناشطين وحركات عديدة اخرى. تسعى “معًا” إلى إشراك العمّال والشباب العرب في الاحتجاج، وتمثّل داخل الحركة الاحتجاجيّة الواسعة عنصرًا يناضل من أجل العدالة الاجتماعيّة والسلام، كماهيّة واحدة لا يمكن التفريق بينهما.
تواصل “معًا” التزامها تجاه العمّال في ضواحي البلاد، وقد قدّمت “معًا” في السنة الأخيرة مساعدة في تنظّم عمّال لم يكونوا في الماضي منظّمين في نقابة مهنيّة، كما يحدث في تل أبيب. في مصنع “جانا” للمشروبات في الناصرة العليا تنظّم 25 عاملاً من أصل روسيّ وجنوب أمريكيّ وعربيّ من أجل إقامة لجنة عمّال، وهم على وشك التوقيع على اتّفاقيّة جماعيّة بمساندة من طاقم “معًا”.
من جهة أخرى، نجحت “معًا” في تنظيم حوالي 20 عاملاً فلسطينيًّا من سكّان أريحا في مصنع ليڤي للأعمال المعدنيّة في ميشور أدوميم. تشكّل إقامة لجنة عمّال في هذا المصنع خطوة هامّة نحو التوصّل إلى اتّفاقيّة جماعيّة أولى في منطقة تعاني من الاستغلال وغياب اية مراقبة على اساليب التشغيل لمئات الورشات والمصانع.
إلى جانب كلّ هذه النشاطات، تتقدّم حملة “معًا” من أجل تنظيم معلّمي الفنون في الكلّيّات ومراكز الموسيقى بخطوات كبيرة، حيث انجزت 3 اتفاقات جماعية في مدرستين “مصرارة” والمسرح البصري وكذلك في كلية “شبابيك” كما تتقدم النقابة نحو اتّفاقيّة جماعيّة في مدرسة “منشار” للفنون في تل أبيب، وأُقيمت لجنة عمّال جديدة في مركز الموسيقى في روش هعاين، وتقوم ببناء لجنة عمالية في الكلّيّة التكنولوجيّة “سپير” وغيرها من المبادرات.
بالإضافة إلى ذلك، تشكّل “معًا” عاملاً رائدًا في النضال ضدّ محاولة جعل الاحتجاج “غير سياسيّ”، الذي يتنكّر للنضال ضدّ المستوطنات والاحتلال، ويتنازل عن دور العمّال في دفع أجندة السلام. إنّنا نبني وعيًا نقابياً يعتمد على التضامن بين جميع العمّال. إنّنا ندّعي أنّ الاحتلال والسياسة النيوليبراليّة هما وجهان لعملة واحدة، وهذا ينعكس في الحلف بين نفتالي بنط، مندوب المستوطنين والخصخصة ولپيد ممثّل الرأسماليّين الكبار، ونتنياهو ممثّل الرأسماليّة النيوليبراليّة والرافض للسلام. النضال من أجل العدالة الاجتماعيّة والمساواة والسلام هو نضال واحد لا يتجزّأ.
عندما تختارون التنظّم في “معًا” فإنّكم تختارون رسالة واضحة والتزامًا اجتماعيًّا عميقًا. لا يقتصر ذلك على تحقيق أجر لائق واستقطاع دفعات للتقاعد وتقدّم في العمل وفي سنوات الأقدميّة – وهذه مسائل أساسيّة لا يمكن وجود تنظّم بدونها، بل تقدّم “معًا” قيمة إضافيّة لنضال من أجل تغيير سلّم الأولويّات الاجتماعيّ وهي النضال من اجل السلام والتضامن والحرية بكل معانيها.
“معًا” لا تفرّق في الدين والقوميّة والأصل، وتنتهج مساواة تامّة للنساء. تأسّست “معًا” قبل 17سنة من قبل ناشطي حزب “دعم” العمّاليّ، وهي المكان الوحيد الذي يستطيع فيه العمّال في إسرائيل أن يعبّروا عن تضامنهم مع عمّال من أنحاء العالم العربيّ الذين يناضلون من أجل التغيير والديمقراطيّة.
حتّى وإن كانت الطريق إلى الربيع الذي نصبو إليه لا تزال طويلة ومعقّدة، لا نشكّ للحظة بأنّ إصرار نقابة العمّال “معًا” على البناء المنهجيّ والمفتوح والديمقراطيّ هو الطريق الصائب وهو الذي سينتصر في النهاية. اننا نبني نقابة مستقلة من التدخل الحكومي ومن ضغوط رأس المال التي تربّي أعضاءها للتسامح والتضامن الذي يتخطّى الحدود والأفكار النمطيّة المسبقة، وسيساهم بالتالي مساهمة حقيقيّة في تغيير الواقع نحو نظام ديمقراطيّ ونحو الحرّيّة والعدالة الاجتماعيّة.
*اساف اديب هو مدير عام نقابة معا