مؤتمر الأمان والسلامة في ورشات البناء الذي عقد يوم السبت 15 نيسان في كلية القاسمي للهندسة والعلوم في باقة الغربية يعتبر مؤشراً هاماً على السعي لتجنيد المجتمع العربي للحملة ضد حوادث العمل في فرع البناء. يأتي هذا المؤتمر الذي اعتبره المنظمون “المؤتمر الأول” (مما يعني أنه ليس الأخير..) على خلفية مقتل 48 عاملاً بحوادث عمل عام 2016، الأمر الذي يعتبر رقماً قياسياً مقابل المعدل السنوي الذي يقارب من 30 قتيل في السنة. إضافة إلى أننا قد شهدنا في الربع الأول من عام 2017 مقتل 11 عاملاً في حوادث في فرع البناء.
مقابل النظرة السلبية التي ترى بهذه الظاهرة مسألة قضاء وقدر وتعتبر حوادث العمل أمراً واقعاً لا يمكن منعه أو العمل على تخفيضه، أبرز المؤتمر روح المبادرة والعمل المنهجي لتغيير أنماط تفكير وتصرف المؤسسات الحكومية وشركات البناء والنقابات المهنية والعمال أنفسهم باعتبار أن حوادث العمل يجب أن نحاربها ويمكننا أن ننجح في المعركة ضدها.
وقد شارك في المؤتمر نخبة كبيرة من المختصين والعاملين بمجال البناء والمهتمين بالأمان والسلامة من مهندسين، مقاولين، مدراء عمل، مركزي أمان والحريصين على ظروف وشروط العمل الآمن في ورشات البناء. وقد رحبت رئيسة الكلية د. دالية فضيلي بالحضور وأثنت على القائمين على المؤتمر وأعلنت أن الكلية ستقدم الدعم للمعركة الهامة ضد حوادث العمل. وقد افتتح النقاش المهندس محمد جيوسي الذي كان المبادر للمؤتمر وتولى عرافة الحوار كما تحدث كل من النائب المهندس عبد الحكيم حج يحيى الذي يرأس لجنة خاصة في الكنيست لمتابعة المعركة ضد حوادث العمل، المهندس داني مريان – رئيس نقابة المهندسين، السيد أساف أديب – مدير عام نقابة معاً (كاتب المقال)، السيد روعي فاينشتاين-الناطق باسم تنظيم عمال الرافعات والسيد مهند زعبي مفتش تخصصات الهندسة في وزارة العمل والرفاه الاجتماعي. وقد عُرض أمام الجمهور فيلم قصير بعنوان ” شهداء لقمة العيش” لعائلات ثكلى من ضحايا حوادث العمل والذين تحدثوا عن تجربتهم الشخصية في فقدان أقاربهم من خلال حوادث عمل بناء، وانتهى المؤتمر بعرض مسرحية بعنوان “فوق وتحت السقالة” التي تروي حياة عمال البناء العرب ومأساتهم اليوم وتدعو إلى تغيير نمط التفكير تجاه العمال الشباب.
هناك عدة عوامل هامة تجعل من هذا المؤتمر حدثاً هاماً: أولاً – تخصيص كلية أكاديمية مثل كلية القاسمي يوم دراسي
لموضوع عمال البناء هو أمل ليس مفروغاً منه ويظهر الأهمية الكبيرة التي توليه
ا الكلية ورئيستها د. دالية فضيلي للموضوع. ثانياً – إبراز ضحايا حوادث العمل في فيلم قصير والذي تم تصويره خصيصاً لهذا المؤتمر، يمنح للعمال ضحايا الحوادث مكانة واحتراماً لم يحظوا به عادة. ثالثاً – وجود عدد من الناشطين البارزين في مجال البناء والمعركة لتغيير الواقع بكل ما يتعلق في حوادث العمل على منصة المؤتمر كان بحد ذاته مؤشراً لجدية النقاش. رابعاً – الجمهور الكبير الذي شمل نحو 150 شخص كلهم يعملون في فرع البناء أو يدرسون الهندسة ولهم اهتمام خاص في الواقع المؤلم الذي يعيشه عمال البناء.
كل هذه العوامل مجتمعة تشير إلى أهمية المؤتمر الذي يعتبر الأول من نوعه في الوسط العربي. إذ يذكر أن مؤسسات مختلفة منها الكنيست ومنظمة المسؤولين عن الأمان والسلامة المهنية والصحف الكبرى في إسرائيل قد خصصوا في السنة الأخيرة مؤتمرات ونقاشات للموضوع. وقد رأينا في السنة الأخيرة مبادرات هامة في إسرائيل لطرح موضوع حوادث العمل على جدول العمل الجماهيري والإعلامي بطريقة غير مسبوقة فقد برز في المقابل غياب شبه تام للاهتمام في الموضوع في الصحافة العربية وفي جداول عمل المؤسسات العربية. هذا علماً بأن من بين عمال البناء وبين ضحايا الحوادث وفي سجلات العمال المقتولين والجرحى هناك عدد كبير جداً من العمال العرب.
العدد الكبير من الضحايا في حوادث العمل الخطيرة والقاتلة في فرع البناء في إسرائيل هو نتبجة حتمية لحالة الفوضى القائمة في ورشات البناء وغياب الرقابة الحكومية اللازمة وغياب عامل العقاب أو الردع للمسؤولين الذين تحدث في ورشات تحت مسؤوليتهم حوادث قاتلة. غياب التثبيت في العمل وانتقال كل فرع البناء إلى العمل من خلال المقاولين الفرعيين أدى إلى تفاقم الوضع إذ تحولت ورشات البناء إلى ساحة لا يسيطر عليها أحد وانعدمت تماماً عملية التأهيل المهني وتشكيل فرق العمل الثابتة التي تعتبر مدرسة للعمل والوقاية للعمال الشباب.
في وجه هذه الحالة الخطيرة التي تتبين في كل مستويات الإنتاج في فرع البناء والنظام الذي يحكم الورشات لا بد من تحريك حملة شعبية على أكثر من صعيد بما يحث في نهاية المطاف العمال أنفسهم. المقياس لنجاح الحملة سيكون عندما يقف العمال أمام المدير أو المقاول ويقولون له بصوت عال “نرفض العمل على السقالة غير الأمنة”، او عندما يطالب العمال بأن يكون اجرهم مدفوع بشكل رسمي وأن يلتزم صاحب العمل بتسديد مستحقات التقاعد على أجرهم الحقيقي. عندما نصل إلى هذا المكان نبدأ بفهم أن الأمور قد تغيرت لأن هؤلاء العمال الواثقين من أنفسهم والذين أدركوا أن لهم حقوقاً وقوة، ولهم ظهراً من مؤسسات وإعلام يهتم بهم، هم الذين لديهم القوة لصنع التحول المنشود في فرع البناء.