27/4 – حين دخل العشرات من عمال كراج تسرفاتي إلى قاعة “بيت مزيا” في القدس الغربية، بعد أن تم تأخيرهم على الحاجز لمدة ساعة تقريباً، استقبلهم الحضور بالتصفيق الذي عبّر عن الاحترام والتقدير لنضالهم ولإنجازاتهم. كان ذلك بمثابة تصحيح للمواطنين الإسرائيليين الذين اضطروا لانتظار زملائهم الفلسطينيين، النكهة التي على أطراف الملعقة بعد ساعات الانتظار الطويلة التي يمر بها كل فلسطيني بشكل يومي على الحواجز. في القاعة جلي عمال النجارة والكراجات بجاتب معلمي ومعلمات الفنون، موسيقيين بجاتب عاملات الزراعة والتنظيف، يهوداً وعرب، إسرائيليات وفلسطينيات.
في كلمات معبرة بدأت حنان زعبي الأمسية حين أوضحت أن الأول من أيار هذه السنة لا يرفع فقط راية التضامن بين العمال الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن التضامن مع نضالات البشر من أجل الديمقراطية، الحرية وحقوق الإنسان، وعلى رأسها نضالات الشعب السوري ضد نظام بشار الأسد الدموي.
افتتح الأمسية مغني الأوبرا يوتام كوهين بمرافقة عازف البيانو يوسي مارحاييم من كلية المصرارة التي تنظم معلمينها في إطار نقابة “معاً”. وقاما بأغنية احتجاجية من”أوبرا الثلاثة قروش” للمسرحي برتولد بريخت والموسيقي كورت فايل، “كيف يعيش الإنسان بشكل جيد إذا كان كل ما يفعله فقط أشياء سيئة”.
رانية صالح، الناشطة في “معاً” في القدس الشرقية تحدثت عن العمل اليومي في النضال ضد الفقر واستغلال العمال والعاطلات عن العمل في المدينة. إيرز فاغنر، مدير مكتب “معاً” في المدينة قال في بداية حديثه: “بعد حوالي شهر تستذكر القدس مرور خمسين سنة على فرض نظام الاحتلال على سكانها العرب وعلى كل الضفة الغربية”. وأوضح كيف أن “كسر الحواجز من خلال النضال المشترك لأجل حقوق العمال، إقامة لجان عمال، تأمين حقوق اجتماعية والإنقاذ من الفقر والأمية هي الأداة للتغلب على العنف وأن نتقدم من واقع الاحتلال إلى واقع السلام، التطور والحرية”. وأنهى حديثه عن ضرورة منح تعريف جديد لمصطلح “اليسار” والذي يتمثل اليوم بدعم بوتين وبشار الأسد، وفي إسرائيل بدعم ناتانياهو في الحرب على غزة، أو بالإندماج في قائمة واحدة مع الإسلام السياسي. “بالنسبة لنا التعاطي مع النظام في سوريا هو الإمتحان الحقيقي بين يسار ديمقراطي ويسار دوغمائي وديكتاتوري”.
عازف الأورغ زياد الأيوبي والمغني اسماعيل الدبس ألهبوا الجمهور، فنانان فلسطينيان من القدس الشرقية تطوعا للتعبير عن دعمهما لعمال القدس وخاصة لعمال كراج تسرفاتي. غنّوا أغنية “شدّو الهمة” أغنية الصيادين اللبنانيين المعروفة والتي تحكي عن قائدهم معروف سعد الذي قُتل بيد السلطات اللبنانية عام 1975، وتحول إلى نشيد العمال في نضالاتهم في كل أنحاء العالم العربي. النشيد صعق الجمهور الذين وقفوا على أقدامهم وانضمّوا للغناء. بعد ذلك إنضمّ إلى الأيوبي عازف الساكسفون جيس كورن، معلم في مركز الموسيقى في رأس العين، المركز الذي تمكنت نقابة “معاً” من التوقيع على اتفاق جماعي قبل سنتين. إضافة إلى عازف الإيقاع كوبي هجوئيل، ارتجل الثلاثي حواراً موسيقياً مشتركاً في روحية اجتياز الحواجز والجدران.
حاتم أبو زيادة، رئيس لجنة العمال في كراج تسرفاتي، شكر العمال الذين ساندوه خلال فترة النضال ونقابة العمال “معاً”. وقد ذكّر أنه قبل أربع سنوات تماماً كان عمال الكراج يعملون بأجرٍ متدنٍ بدون أي حقوق اجتماعية وأن انضمامهم إلى نقابة العمال ونضالهم قد أثمرا تغييراً حقيقياً في وضعهم. حاتم عبّر عن أمله أن ينضمّ عمال آخرون إلى نقابة “معاً” وأن يتنظّموا في صفوفها.
وفاء طيارة مركّزة العمل النسائي في نقابة العمال “معاً” وصلت إلى المؤتمر بمرافقة مجموعة كبيرة من العاملات في الزراعة والنظافة من المثلث، وتحدثت عن النضال لأجل تطوير فرص عمل للنساء العربيات. “نحن النساء لن نقف جانباً، نحن نطالب بمكان مساوٍ في كل مجالات الحياة، نحن نخطط لأخذ هذا المكان دون أخذ الإذن من أحد”. وقد استحضرت مثالاً على ضرورة توحيد المجهود العمالي وعدم السماح لارباب العمل ابقاء قسم من العمال في وضع مختلف عن غيرهم حين ذكرت كيف أصبح العمال في الصين الذين يعملون في ظروف عمل سيئة وسيلة لضرب حقوق العمال في العالم كله حين نقلت الشركات مصانعها الى الصين وفقد الكثيرين مكان عملهم. الإستخلاص هنا واضح قالت طيارة: “المشاركة بين العمال المنظّمين تقوّي الجميع، في حين أن العمال الضعفاء عند أطراف العالم يُضعفون مجمل العمّال.” في نهاية حديثها عبّرت وفاء طيارة عن تضامناً مع السوريين الذين يُذبحون ويُطردون على يد نظام الأسد أمام تساهل العالم، وأكدت على أن التضامن مع نضالات الشعوب لأجل الحرية والاستقلال هي شرط للتحرر من قبلنا نحن.
الفنانة التشكيلية جاليا أوري تحدثت عن عملها كمرشدة لفنانين في ضائقة نفسية في إطار جمعية “كنفاييم”. ووصفت انضمامها مع زملائها إلى نقابة العمال “معاً” كخطوة طبيعية، أولاً لأنه يتم تشغيل اغلبهم بشكل غير قانوني دون أي حقوق اجتماعية، ولكن ليس لهذا السبب فقط. “معاً هي جسم يعمل لأجل التضامن من زوايا كثيرة، داخل وخارج الخط الأخضر، بين النساء والرجال، بين عمال في مجالات مختلفة. هذا التوجه قريب من قلوب المرشدين في جمعية “كنفايين” بشكل خاص على ضوء الرياح السلبية التي تنشب في البلاد. نحن نأمل أن انضمام “كنفاييم” إلى نقابة “معاً” توسع دائرة التضامن، وتشمل أيضاً أشخاصاً من الصعب عليهم إسماع صوتهم، والذين بالنسبة لهم كل لحظة في اليوم تستدعي الألم، الجهد، والجمال في الوقت نفسه”.
المحامي أمير باشة يعمل مع شركائه موران سفوراي وجلعاد زبيدة بتعاون لصيق مع نقابة العمال “معاً” ومع محامية النقابة آية برطنشطاين. وقد تحدث عن التجربة الطويلة والمعقدة للنضال القضائي في ملف كراج تسرفاتي والذي استغرق مئات ساعات العمل. “خلال فترة 15 سنة التي عملت بها كمحامي في قضايا العمل، لم أواجه أي حالة يبدأ فيها صاحب العمل بهذه الدرجة من السلبية، بداية من إقالة رئيس لجنة العمال واتهامه بقضايا جنائية وحتى توجيه شكوى في الشرطة ضد نقابة العمال ومحاميتها، وفي النهاية توصلنا إلى تفاهم والتعاون والاتفاق حوله”. في النهاية أعلن باشا أنه انضمّ كعضو في نقابة “معاً”، وحاز على تصفيق حاد.
كيكي كيرن هوس، ممعلمة موسيقى في كلية المصرارة بالقدس، هي ناشطة في لجنة العمال في المدرسة منذ 7 سنوات. وهي أبلغت عن انضمام عمال الإداريين في المصرارة إلى نقابة “معاً” وعن إصرار المدرسين على دعم العمال التقنيين من منطلق التضامن معهم. “قبل عدة سنوات أتيحت لي الفرصة أنا وفنانات أخريات للتعرف على وفاء طيارة وعاملات الزراعة من باقة الغربية. في أحد أيام الصيف جلسنا وتحدثنا، وتبيّن بشكل سريع أنه رغم الفوارق إلّا أن التشابه بيننا يتغلب على المختلف، والمشترك يتغلب على ما يباعدنا، حتى في ظروف عملنا. وقالت المعلمة هوس انها سعيدة بأن تكون مرتبطة بإطار مثل نقابة معاً لأنها تعتبر مكاناً نادراً يفتح أمام الجميع فرصة للتعامل مع الغير بالطريقة ذاتها على الرغم من الفوارق، ويوفر الأساس لضمان حقوق وحريات الجميع.
علاء خطيب، مدير عام “خط للعامل”، ركّز حديثه حول النضال ضد حوادث العمل في فرع البناء، المجال الذي تتعاون به جمعية “خط للعامل” مع “معاً”. وذكر خطيب الرقم القياسي للقتلى: 48 قتيلاً في عام 2016، ومنذ بداية السنة الحالية، 11 قتيلاً. لقد حذّر خطيب أن الحكومة ترفض استثمار الموارد على الرقابة الإرشاد بغية تقليص عدد المتضررين، وأن قرارها السماح بتشغيل آلاف العمال الصينيين قد تؤدي إلى تفاقم الوضع.
مسك ختام المتحدثين كان مدير عام “معاً” أساف أديب. في كلمته أكد أديب على الطابع الخاص لنقابة “معاً” بوصفه جهة تجتاز الحواجز وتوحّد، وهو فخور بأن “معاً” هي نقابة العمال الوحيدة في إسرائيل التي تقف بشكل واضح وصريح إلى جانب العمال الفلسطينيين وضد الاحتلال.
“نحن لا نكتفي بالشعارات الفارغة من المضمون. بناء حركة شعبية من العمال في الجانب الفلسطيني وأيضاً في الجانب الإسرائيلي هي ردّنا على كل من يدّعي أنه لا يمكن بناء سلام بين الشعوب. بعد فشل الاتفاقات التي لم تنتج غير أنظمة فاسدة ولم تغيّر أي شيء، نحن في “معاً” نقترح درباً جديداً لتلتقي القوى التقدمية من شعوب المنطقة. لذلك نحن نتضامن من كل قلوبنا مع توق شعوب المنطقة وعلى رأسهم الشعب السوري للحرية وأنهاء الديكتاتورية الظمئة للدماء المتمثلة بعائلة الأسد.
“إن الرؤية التي نلتزم بها في إسرائيل، في فلسطين والعالم العربي، تنضمّ إلى الحاجة لتعريف حركة العمال واليسار في العالم من جديد، حيث يصوّت العمال لقادة قوميين وعنصريين مثل ترامب، لوبين ونتنياهو. عمال كثيرون في المجتمع الإسرائيلي مصابون بداء كره الغريب وضيق أفق قومي. نحن لسنا على استعداد لإخضاع دربنا إلى النزعات الإنعزالية، نحن نرفض اليسار الدوغمائي، ونتشارك بإنتاج يسار ديمقراطي جديد، يناضل ضد الرأسمالية الظالمة، ويسعى إلى بناء مجتمع قائم على المساواة والتعددية، والذي يُنتج أفضل ما يمكن من الإختلاف في الهوية القومية والدينية وعرقية التي أصبحت واقع كافة المجتمعات في العالم”.
اختتم الأمسية أوريت غوري من مركز الموسيقى في رأس العين بالعزف على آلة الناي وكوبي هجوئيل على الطبول في مقطوعة موسيقية تركية، حيث انضمّ إليهم بعد ذلك جيس كورن مع الساكسفون. نغمات الجاز من الناي، الساكسفون والطبلة كانوا خلفية مناسبة لإنهاء هذه الأمسية المميزة، حيث الموسيقى تجتاز الحدود وتندمج مع لقاء إنساني تضامني.