لتعزيز المشاركة اليهودية العربية الخاصة التي تبنيها نقابة معاً العمالية، وصراع العمال والعاملات العرب من أجل المساواة في الفرص والعدل الاجتماعي، ما من طريقة أفضل غير إقامة النقابة لمؤتمر الأول من أيار في باقة الغربية. خاصة حين يقوم رئيس الوزراء بالتحريض علناً ضد العرب الذين “يهجمون على مراكز الاقتراع”، حين اليسار الإسرائيلي يتجمع في خانة “المعسكر الصهيوني” الذي يستثني ويهمش العرب في تعريفه الذاتي، وحين تقود الحكومة اليمينية لمواصلة الاحتلال، لحروب وقتل لا متناهي، وتقفل باب السلام.
مقابل كل هؤلاء، قررت نقابة معاً تنظيم مهرجانها القطري في الأول من أيار في باقة الغربية للتأكيد على أنه لا أمل من قيامة اليسار، ولحركة الاحتجاج وللصراع من أجل السلام، دون الاعتراف بالدور المركزي للعمال وللعاملات العرب وللمجتمع العربي.
الجمهور والضيوف كانوا استثنائيين في تركيبتهم وتطلعاتهم. وقد برز عمّال كراج “تسرفاتي” من الضفة الغربية وعلى رأسهم رئيس اللجنة العمالية حاتم أبو زيادة الذي أُقيل من منصبه ويناضل من أجل العودة للعمل، عاملات في الزراعة من قرى وبلدات المثلث المتنظمات في نقابة معاً، لجنة المدرسين من مركز الموسيقى في رأس العين المتنظمين في نقابة معاً والذين مثلتهم أوريت جوري، ونشطاء اجتماعيين وسياسيين يتم تعريفهم مع الخط العام لنقابة معاً العمالية. بالإضافة لذلك فقد شارك في المؤتمر متحدثون عن اتحادات عمال جديدة منظمة في الهستدروت، لجنة عمال شركة “ماكدونالدز” ولجنة عمال لئومي كارد. وقد باركت المؤتمر المحاضرة هالة حبايب مستشارة وضع المرأة في كلّية القاسمي.
أدار المؤتمر كل من وفاء طيارة وميخال شفارتس من طاقم معاً القيادي. في كلمتها قالت وفاء طيارة أن نقابة معاً تضم قواها إلى العمال من كل أنحاء العالم، وتؤكد على التزامها تجاه الشعوب العربية التي تناضل من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبشكل خاص الشعب السوري الذي يخوض صراعه ضد نظام دموي. شفارتس من جهتها تحدثت عن الواقع الاقتصادي في اإسرائيل الذي دفع إلى الهامش غالبية العمال، اليهود وبشكل خاص العرب، وأكثر من ذلك النساء العربيات. “في واقع يتم فيه اقتطاع موازنات الرفاه دون رحمة، وفقط موازنات وزارة الأمن والمستوطنات تنمو وتتزايد، لا يمكن فصل العدالة الاجتماعية عن الصراع ضد اليمين والمستوطنين”.
أول المتحدثين كان أساف أديب مدير عام نقابة معاً الذي أكد في حديثه على تميّز معاً كنقابة عمال تقف إلى جانب المضطهدين ضد كل أشكال التمييز والعنصرية، وتبني مجتمعاً جديداً من العمال العرب واليهود. أشاد أديب بنضال عمال كراج “تسرفاتي” وقائدهم حاتم أبو زيادة، الذين يشكلون مثالاً على أن الثورة ضد القهر والظلم والدفاع عن المبادئ ممكن حتى في أصعب الظروف. وقد هنأ ممثلي النقابات الجديدة التي نشأت مؤخراً ضمن إطار الهستدروت والتعاون القائم معها. “لا منافسة على العمال هنا بين النقابات، ولكنه جهد تعاوني تشارك فيه كل جهة حسب قدرتها”.
روتي أمانو، المتحدثة باسم مجموعة المرشدين من بيت بياليك في تل أبيب الذين نجحوا في نضالهم ضد بلدية تل ابيب، تحدثت عن سنة من النضال الشاق في ظل تهديدات، عقابات ووعودات. “كان كل شيء يستحق هذا العناء وكنت على استعداد لخوض هذا النضال مرّة ثانية وبالطريقة ذاتها… أستطيع أن أقول لكم بعد نضالنا هذا، وفي الأول من أيار، اليوم الوحيد في السنة الذي يتوقف للحظة ويسلط ضوءً حقيقياً على هؤلاء الذين يستحقون فعلاً- قاتلوا وبكل ما أوتيتم من قوة”.
أسماء إغبارية زحالقة مُرشحة حزب دعم العمالي لانتخابات الكنيست ال 19 وواحدة من القياديات المركزيات في معاً، ألهبت الجماهير حين تحدثت عن النضال البطولي للشباب والعمال في العالم العربي من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، وقد وقف الجمهور عندما تحدثت عن التضامن مع الشعب السوري وهتفت مع الجماهير لإسقاط القاتل بشار الأسد.
بطل الأمسية كان بلا شك حاتم أبو زيادة رئيس لجنة عمال كراج “تسرفاتي” والذي يناضل في اطار نقابة “معاً” ضد فصله من العمل. بعد أكثر من 9 أشهر خارج مكان عمله، وقف حاتم أمام العشرات من رفاقه الذين جاءوا من أريحا، بيت لحم، العيزرية والخليل لكي يعبّروا عن دعمهم لنقابة معاً ولرئيس لجنتهم. حاتم لم يترك مجالاً للشك في إصراره على مواصلة النضال حتى يعود إلى عمله بغض النظر عن الصعاب والمعيقات التي تقف في طريقه واثنى على دعم ومساندة نقابة معاً له في نضاله، ودعا جميع العمال للانضمام إلى معاً.
وفيق أبو الهيجا، من لجنة عمال ماكدونالدز والذي تنظّم في نقابة الشباب (التابعة للهستدروت)، تحدث عن الصعاب الجمة التي يواجهونها العمال على ضوء رفض إدارة الشركة للاعتراف بلجنتهم وتوقيع اتفاق جماعي. ياسر أبو عريشة، من لجنة عمّال شركة لئومي كارد، المنظمين في الهستدروت، أعلن عن توقيع أول اتفاق جماعي مع الشركة كنتيجة لتنظيم العمال، وخصص حديثه لضرورة النضال ضد استغلال النساء العاملات في القرى والبلدات العربية. أوريت جوري من لجنة المدرسين في مركز الموسيقى في رأس العين، تحدثت عن أهمية الاتفاق الجماعي الذي سيتم توقيعه قريباً مع إدارة المركز، والذي سيكون أول اتفاق جماعي لمدرسين في المراكز الموسيقية ما يجعله سابقة مهمة، وقد أكدت على مشاركتها للرؤية اليهودية العربية لنقابة معاً.
هيلة لهب (ناي)، تال برايت (دف)، ويشاي بن أدر (قانون) ألهبوا الجمهور بنعومة شعبية عربية، محمود جبارين فاجأ الجمهور عندما غنّى أغنية لبوب ديلان، وفرقة جبارين التي تضم أيضاً: شام أبو مخ وآية أبو جويلة، قدمت عرضاً قصيراً مثّل البطالة واستغلال العمال والعاملات من زاوية مثيرة للدهشة.
***
“معاً” جددت تقاليد الأول من أيار
قبل عشر سنوات، عام 2005، قررت نقابة معاً أن تتظاهر في الأول من أيار في شوارع تل أبيب، بعد سنوات طويلة من امتناع اليسار عن القيام بذلك. بادرنا إلى استئناف نشاطات الأول من أيار في تل أبيب لأننا قدّرنا أن المجتمع الإسرائيلي قد بدأ تستيقظ. لم نخطئ. الوعي المتزايد لدى الكثيرين عن توحّش وشراسة الرأسمالية التي تدمر كل ما هو جميل قد وصلت فعلاً إلى ذروتها أثناء حركة الاحتجاج في سنة 2011. نقابة معاً العمالية كانت شريكة لهذه الحركة الاحتجاجية المهمة وقد حاولت بكل قدرتها أن تساهم في إنجاحها، مع التاكيد ومنذ اللحظة الاولى على ضرورة اشراك الجماهير العربية فيها وطرح قضية الاحتلال والسلام كقضية مركزية.
للأسف توجهنا داخل الحراك الاحتجاجي بقي في الاقلية وادى الخط الذي اعتمده الغالبية الى اختفى الحركة وتفكيكها رغم انها كانت دون شك ظاهرة هامة التي تركت بصمتها على المجتمع الإسرائيلي. في الانتخابات الأخيرة محت كل آثار وجودها. السبب وراء ذلك الفشل كان الخلل الذي اشارنا اليه وهو الخوف لدى اليسار الاسرائيلي من تبنّي شعارات سياسية من أجل السلام والمساواة الكاملة للمواطنين العرب، ووضع حد لاحتلال 5 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. هذه هي العبرة والدرس الذي على اليسار وحركة العمّال أن يتبنوها. ولهذا قررت نقابة معاً تنظيم مؤتمرها في الأول من أيار في باقة الغربية وليس في تل أبيب.