تتواصل أعمال البحث عن عدد من المفقودين في انهيار مبنى في تل أبيب صباح أمس، الإثنين، وقالت مصادر في طواقم الإنقاذ إنها عثرت على 3 جثث بين الركام، وإن هناك ما بين 12 إلى 14 ساعة مصيرية للوصول إلى المفقودين، فيما أصيب 24 عاملا جرى تسريح معظمهم من المستشفى أمس، ونسبة كبيرة منهم من العمال العرب.
ودلت إحصائيات رسمية في البلاد أن 230 عاملا قتلوا في قطاع البناء خلال الأعوام الخمسة، وأن معدل الإصابات هو إصابتان خطيرتان يوميا.
جرائم قتل العمال وخاصة في فرع البناء تنفذُ بصمت ودون رقابة وإهمال واستهتار واضح، فيما تتقاعس السلطات المسؤولة في عملها لمنع تكرار هذه الجرائم المأساوية.
ويبدو واضحا أن غالبية الضحايا هم من العمال من الضفة الغربية وقطاع غزة ومن العرب داخل الخط الأخضر والأجانب.
وعقّب مدير عام جمعية ‘معًا’ العماليّة، والنشيط في ائتلاف مناهضة حوادث العمل، أساف أديب، لـ’عرب 48‘، على انهيار المبنى، أمس، بأنّه ‘حادث مأساوي أدى بحياة 3 عمال وقد يرتفع عددهم كون البعض ما زال تحت الأنقاض، وهذا نتيجة لحالة من الفوضى في فرع البناء في إسرائيل، والعمال الذين يعملون في هذا الفرع هم بأغلبيتهم من العرب من سكان إسرائيل أو من الضفة الغربيّة’.
وتابعَ أنّ ‘تعامل السلطات والجهات القضائيّة والتفتيش والمراقبة في مجال البناء هي عبارة عن فضيحة كبيرة، فهناك إهمال إجراميّ بحق العمال، وعندما يحدث كما حدث أمس، أو تقع إصابة خطيرة أو مقتل عامل فالتحقيق يكون هزيلا، والمسؤولون لا يتم تقديمهم للمحاكمة، فمن بين 180 جرائم قتل في حوادث البناء خلال 5 سنوات، بحسب الإحصائيات بين عامي 2009 لغاية 2014، تم تقديم لوائح اتهام فقط في 11 جريمة، وهذا يعني أن حياة العامل رخيصة’.
وعن أسباب إصابة العمال العرب بشكل كبير في حوادث العمل، أفاد أديب أنّ ‘العمال العرب يعملون في مجال البناء منذ سنوات طويلة، والفرق بين الماضي واليوم أنه منذ 10 سنوات تقريبًا، انتقل العمل في مجال البناء إلى المقاولين الفرعيين، والنتيجة هي انعدام المراقبة من قِبل المسؤولين الكبار في ورش العمل، فلا رقابة حول عدد العمال وهوية العمال، فعلى سبيل المثال الحادث الذي وقع، أمس، في تل أبيب في ورشة بناء تديرها شركة ‘دينيا سيبوس’ وهي من أكبر شركات البناء في البلاد، وتنفذ العمل وتربح الملايين في مشاريع من هذا النوع، وفي منطقة باهظة التكلفة في تل أبيب’.
وأكّد أنّه ‘لا يوجد أي عامل بين العمال الذين أصيبوا في الحادث يعمل مباشرة في شركة ‘دينيا سيبوس’، بل عن طريق مقاولين فرعيين، دخلوا الورشة ولا أحد يعلم إن كان العامل الذي دخل ورشة العمل اليوم هو ذاته الذي دخل بالأمس، ولا أحد يعلم إن كانوا قد تلقوا الإرشادات الصحيحة ويملكون المؤهلات للعمل والشهادات والوثائق المطلوبة، وكل هذه الأمور مهملة تمامًا’.
وأشار إلى أنه ‘قبل حوالي 3 أسابيع توجه لجمعية ‘معا’ عامل من كفر كنا يعمل سائقا لرافعة، وقال إنه بعد أن رأى تقريرا من مفتش استنتج أن الرافعة التي يعمل عليها غير صالحة للاستعمال ويجب أن يتم تصليحها، فذهب وتحدث مع مدير عمله بشركة ‘دينيا سيبوس’ شارحا له عدم صلاحية الرافعة وبأنّه لا يستطيع العمل بها في حين قد تؤدي بحياته أو بحياة العمال أو المواطنين، وهي ذات الشركة ‘دينيا سيبوس’، لكن تعمل بمكان مختلف عن الحادث الذي وقع أمس، فقام المدير بفصلهِ من العمل واستبداله بعامل آخر’، موضحا أن ‘هذا ما يحصل، وخُيّر العامل إما المخاطرة بحياته أو أن يخسر العمل، مما يدل على موقف الشركات من أوامر الوقاية’.
يذكر في هذا الصدد أن شركة ‘دينيا سيبوس’ نفت في تصريح صحفي عدم التزامها بأنظمة الأمان في العمل، وقالت إنها تحافظ على سلامة مستخدميها.
وتعتبر بعض الشركات أنّ العمل وإنجازه والتقدم به أهمّ من حياة العامل، رغم أنّ النتيجة قد تكون مأساوية، وعن الخطوات التي يمكن اتخاذها، قال أديب إنّ ‘الأزمة خطيرة، وعدد العاملين العرب في هذا المجال كبير جدًا، يتراوح ما بين 120- 140 ألف شاب عربي في إسرائيل، بالإضافة إلى 50 ألف عامل من الضفة الغربيّة، وهو فرع يُشغّل 240 ألف شخص، وهو مجال تعتاش منه عائلات كثيرة جدًا، لذا يجب أن يكون هناك اهتمام بالموضوع من جانب الحكومة، ونحن كائتلاف ونقابة عمال ‘معًا’ نعمل بهذا الموضوع من أجل تغيير القوانين وتشديد الرقابة والتفتيش، فبالفعل هناك إهمال بشكل مخيف، وعلى الطاولة سيكون هناك جلسة للكنيست بداية الأسبوع القادم من أجل طرح القضية وأن تكون الميزانية القادمة للمفتشين والمراقبين’.
واستطرد أنه ‘هناك جانب يتعلق بالعمال، فالعمال الذين يجب أن يكونوا في مجموعة منظمة وواعية وتعلم ما هي حقوقها وتهتم بالوقاية وتعمل مع بعضها البعض وتنظم ذاتها، هو جانب نستطيع تغييره، ونحن في نقابة ‘معًا’ على استعداد لوضع يدنا بيد العاملين والمسؤولين والناس الذين يريدون تغيير الوضع من أجل خلق واقع جديد، فالضحايا هم شباب، يجب عليهم أن يأخذوا المسؤولية على عاتقهم ولا يدخلوا بعمل خطير، ويسيروا وفق التعليمات، وأن يرتدوا خوذة الوقاية وحذاء العمل’.
وقال أديب، إن ‘الإحصائيات تقول إنّه منذ بداية العام الحالي 2016 لقي 28 عاملا مصرعهم في حوادث العمل في فرع البناء، و155 غيرهم أصيبوا بإصابات خطيرة، هذه المعطيات لا تشمل ضحايا الحادث الأليم أمس، ولا زلنا في شهر أيلول/ سبتمبر ولم ينته العام بعد، وهو عام مأساوي والمعطيات مقلقة جدًا، لها علاقة بوتيرة البناء في إسرائيل، فهناك حاجة لبناء بشكل أكبر وأكثر ارتفاعًا، ويستحيل فعلاً أن يكون هناك تعامل أكثر مهنية وجدية من الشركات والجهات المسؤولة والمواكبة، بالإضافة لجانب العمال الذين عليهم أخذ مسؤولية أكبر تجاه أنفسهم’.
وأنهى أن ‘هناك جانب مهين مربوط في إهمال الحكومة وإهمال المقاولين، وهناك جانب من المسؤولية على العاملين والمهندسين، ويجب الاهتمام بهذا الموضوع والاهتمام بالشبان، وعلى كل واحد أن يساعد الآخر من أجل ضمان حقوق التقاعد وضمن المستقبل للعامل وعائلته، فالعامل المنظم ضمن نقابة هو أكثر وعيًا وضمن مستقبله ويعمل بنظام أكبر، ومن الممكن أن يمنع هذا الأمر ما هو أعظم’.