عُمر شرفيط – موقف “زمان اسرائيل” 31.8.25
عمل أكرم سليمان في فنادق تابعة لشركة “فتال” في البحر الميت منذ عام 2019. هو من بلدة الظاهرية في منطقة الخليل ويبلغ من العمر ستين عامًا، أب لأربعة أبناء بالغين، جميعهم متزوجون وقد غادروا المنزل. يقول عن عمله في تشغيل بركة السباحة في الفندق بانه وفر له رزقًا كريمًا: “العمل أمر مقدس بالنسبة لي”، ويعرض بفخر صورًا من أجواء الفنادق في منطقة البحر الميت: شهادة أقدميته، شهادة تقدير، وصورة لوجبة مشتركة مع زملائه.
مع بداية الحرب، أصيب بصدمة وغضب من هجوم حماس. يقول: “لعنت وصحت مطالبًا بإعادة المختطفين. أنا أكره هؤلاء الناس منذ ما قبل الحرب”. خاف من العمل مع الإسرائيليين، فأرسله مديروه مع بقية العمال الفلسطينيين إلى بيوتهم حتى تهدأ الأوضاع. بعد أربعة أشهر عادوا للعمل وخدموا نزلاء الفنادق بما فيهم سكان بلدات الجنوب الذين استضافتهم فنادق البحر الميت بعد ان اجبروا على الرحيل من منظقة غلاف غزة.
أكرم نفسه عاد إلى العمل في فندق “ليوناردو بلازا” التابع للشبكة نفسها، بعد أن عمل سابقًا في فندق “ليوناردو كلَاب”. طوال تلك السنوات وحتى الأيام الأخيرة كان يحمل تصريح عمل مع إذن للمبيت، اعتاد أن ينام في الفندق ويعود إلى بيته بسيارة كل بضعة أيام. إلا أن كل ذلك انتهى الآن: ففي بداية تموز تلقى استدعاء لجلسة استماع، وفي نهاية الشهر فُصل عن العمل – بعد ما يقارب ست سنوات عمل في شبكة الفنادق.
يقول: “أنا مشتاق للعودة الى العمل. عندما ودّعت مديرتي المباشر كانت حزينة. نحن جميعًا (العمال الفلسطينيون في الفنادق) نجلس الآن في بيوتنا، لكننا لسنا مذنبين. يجلبون عمالًا من سريلانكا ولديهم مشاكل معهم. أعادوا بالفعل بعضنا إلى العمل لأنهم لم ينجحوا مع الأجانب. هؤلاء وصلوا للتو ويحصلون على 9,000 شيكل في الشهر، بينما أنا طوال تلك السنوات لم أصل إلى 8,000”.
إلى جانب أكرم، فُصل نحو 20 عاملًا آخر. في فنادق “فتال” بالبحر الميت وحدها هناك نحو 200 عامل وهناك اعتقاد بان دورهم للفصل عن العمل ايضا سيأتي قريبا. أربعة من المفصولين أُعيدوا إلى العمل، وقيل لهم إن ذلك من أجل مواجهة ضغط الأعياد. غير واضح إن كانوا سيبقون بعد شهر أيلول.
اكرم سليمان نفسه تلقى عرضًا بان يدفع نحو 2,500 شيكل لـ “سمسار” يعده بتصريح عمل جديد، لكنه يرفض الخضوع لهذا النظام الفاسد. راتبه الأخير في “فتال” بلغ 11 ألف شيكل مقابل نحو 90 ساعة عمل عادية، دون عطلات نهاية الأسبوع. حصل على تعويض عن جزء صغير فقط من سنوات عمله وهو يبحث الآن عن طريقة لانتزاع حقوقه.
في شهر تموز ومع تسلّم العمال رسائيل الإستدعاء لجلسات الاستماع، توجهت نقابة “معًا” باسم العمال إلى شركة “فتال”. وأشارت إلى أنه طالما لا يوجد أي ادعاء ضد أداء هؤلاء العمال في مكان العمل يبقى السبب الوحيد للفصل هو تغيير السياسة بخصوص تشغيل الفلسطينيين في الفنادق عمومًا، وفي البحر الميت خصوصًا. وأشارت نقالة معًا إلى أنه في الإدارة المدنية لا توجد تعليمات جديدة تبرر إقالة هؤلاء العمال من عملهم.
أُبلغ العمال بأن الفندق لن يستطيع تشغيلهم من دون تصريح، وبالتالي ستُنهى خدماتهم. استفسار نقابة معًا تمحور حول السؤال لماذا تتم الإقالات قبل إلغاء التصاريح فعليًا. نقابة معًا طالبت من شركة “فتال” ان تنتظر لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور، كي لا يُحكم على العمال وعائلاتهم بالموت الاقتصادي.
عمال من سريلانكا بدل الفلسطينيين
رد شركة “فتال” على ما قدمته معًا النقابية كان بأن الإقالات تتم وفقًا لتوجيهات من وزارة السياحة، التي تنص على أنه مع دخول العمال الأجانب إلى إسرائيل ستُلغى تصاريح دخول الفلسطينيين. تعليمات وزارة السياحة نصت على انه: “مع دخول العمال الأجانب إلى إسرائيل سيُلغى تصاريح الدخول للعاملين الفلسطينيين (في الفنادق)، وعلى المشغلين إنهاء عملهم”. الوزارة اوضحت في تعليماتها بانها تنوي لاستبدال حصة العمال الفلسطينيين بعمال من خارج البلاد. على ضوء ذلك ادّاعت شبكة الفنادق إن الأمر في الحقيقة يتعلق في أوامر من فوق، ولا مجال لديها الا ان تتصرف بمثل هذه التعليمات.
وزارة السياحة برئاسة عضو الكنيست حاييم كاتس من الليكود تدفع الفنادق الى طرد عمال مخلصين يحملون تصاريح عمل – كثير منهم يتحدثون العبرية ويعرفون جيدًا الثقافة التنظيمية المحلية – وتطلب استبدالهم بعمال اجانب من الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي (سريلانكا).
صحيح أن هناك اتفاقًا ثنائيًا مع بعض الدول التي يأتي منها العمال الأجانب، لكن بالتوازي يستمر الاستقدام عمال بموجب اتفاقات مع شركات قوى بشرية خاصة مما يعني ان غالبية العمال الاجانب يأتون إلى إسرائيل وهم مثقلون بالديون وبالتالي يتعرضون الى ابتزاز واستغلال.
عمال الفنادق المفصولون ينضمون إلى 104 آلاف فلسطيني فقدوا تصاريح عملهم مع اندلاع الحرب، باستثناء بضعة آلاف صُنِّفوا “ضروريين” وما زالوا يدخلون إسرائيل. في المؤسسة الأمنية طالبوا خلال الأشهر الأخيرة بإعادة العمال تدريجيًا، لكن الحكومة ترفض ذلك. بعد عامين من دون عمل في إسرائيل، تكون النتيجة أزمة اقتصادية متفاقمة في السلطة الفلسطينية ونقص خطير في الأيدي العاملة في إسرائيل. ويقول خبراء إنه إذا كان لا بد من استقدام عمال أجانب، فمن الأفضل تخصيصهم للقطاعات التي تحتاجهم فعلًا – الزراعة والصناعة.
وزارة السياحة أكدت التفاصيل. وردًا على سؤال لماذا يسلكون هذا الطريق، أجاب الوزير كاتس باقتضاب: “اسأل سكان غلاف غزة”.
“يمكن أيضًا استقدام رئيس حكومة جديد“
يتساءل أساف أديب، المدير العام لنقابة معًا: “هل نحل مشكلة البطالة في سريلانكا كي نخلق مشكلة جديدة هنا؟ ماذا تفعلون؟”. يجد صعوبة في فهم المنطق الذي يوجه الحكومة: “في الهند وسريلانكا هناك مئات ملايين العاطلين. يمكن أيضًا استقدام رئيس حكومة جديد وأفضل. يمكن استبدال الجميع. يمكن تنفيذ قرار الحكومة مع منح الفنادق الإمكانية للتصرف بما تراها مناسبًا لها بدل أن يُطلب منها التوقف كليًا عن تشغيل الفلسطينيين”.
ويضيف مدير معًا : “هناك حالة عبثية والحكومة تتصرف دون حساب او فائدة. لو كانت التعليمات تشجع الفنادق بتشغيل الإسرائيليين كان يمكن فهم التدخل في سياسة التشغيل لكن استقدام عمال من سريلانكا على حساب العمال الفلسطينيين الذين يخلق عملهم استقرارًا اقتصاديًا هو امر مرفوض”.
رد شبكة فنادق “فتال” نص على انها “شبكة الفنادق الاكبر في إسرائيل، وانها عملت وتعمل وفقًا لكل القوانين وبما يتماشى مع توجيهات الحكومة. وبطبيعة الحال، لا تستطيع الشركة كشف تفاصيل شخصية تخص موظفيها”.
ومن وزارة السياحة جاء الرد: “بموجب قرار حكومي اتُّخذ مع اندلاع حرب ’سيوف الحديد‘، توقفت دخول العمال الفلسطينيين إلى جميع قطاعات الاقتصاد. ولتمكين عمل القطاعات الحيوية، ومنها قطاع الفنادق، وافق منسق أعمال الحكومة في المناطق على حصة محدودة جدًا من العمال الفلسطينيين. هذه الحصة كان الهدف منها توفير حل مؤقت فقط، حتى العثور على بدائل أخرى”.
وزارة السياحة كتبت ايضا بانها “خلال الأشهر الأخيرة عملت بالتعاون مع سلطة السكان والهجرة ووزارة الخارجية، على استقدام عمال من سريلانكا – وهي عملية معقدة شملت جهودًا دبلوماسية وتشغيلية. مع وصول العمال الأجانب تدريجيًا واندماجهم في الفنادق، ستنتهي الحاجة المؤقت لتشغيل العمال الفلسطينيين”.