أساف أديب
العمال الفلسطينيون من سكان الضفة الغربية الذين يعملون في الورشات الاسرائيلية وصل عددهم قبل بدء الحرب في مطلع شهر أكتوبر الى رقم قياسي فاق 200 ألف عامل. إضافة إليهم كان هناك أيضا 18,500 عامل من سكان قطاع غزة في سوق العمل الإسرائيلي.
هؤلاء العمّال الذين يعتبرون شريحة اجتماعية مهمة جدًا بقوا منذ الـ 7 أكتوبر دون عمل ودون أجر ودون تعويض يفتقرون لمن يهتم بشؤونهم أو يتحدث باسمهم. عملية حماس الإرهابية على بلدات غلاف غزة التي قتل بها قرابة 1000 مدني وخطف إثرها المئات من النساء والأطفال والشيوخ كانت بمثابة إعلان حرب شاملة على اسرائيل. بعد ساعات قليلة في ذات اليوم شن الجيش الاسرائيلي هجوم مضاد جوي ومدفعي ولاحقا بري واستعمل كامل قوته العسكرية بهدف القضاء على حماس. والحرب التي بدأت في هذا اليوم الأسود فتحت صفحة قبيحة جديدة في الصراع الدموي بين الشعبين والتي لا يعرف أحد كيف ستنتهي.
رافق شنّ الحرب على غزة إعلانًا لحالةِ الطوارئ في البلاد وشمل ذلك قرارًا اسرائيليًا يقضي بإغلاق 11 حاجزا يربط بين الضفة الغربية واسرائيل والتي يمر منها يوميًا العمّال في طريقهم إلى أماكن العمل في إسرائيل. ولو اتخذ هذا الإجراء لأيام قليلة لكان الأمر قد انتهى ولم تكن له أهمية، لكن استمرار الإغلاق ومنع العمال من العودة إلى أماكن عملهم بعد شهرين يعتبر عقابًا جماعيًا غير مبررًا أمنيًا واقتصاديا وإنسانيًا.
في البيوت وبلا أفق للعودة
الأغلبية الساحقة من عمال الضفة الغربية، الذين يصل عددهم الاجمالي الى 200 ألف عامل، متواجدين في بيوتهم دون عمل ودون تعويض منذ السابع من أكتوبر، وفي حالة ضبابية بشأن مستقبلهم. يشار إلى أن آلاف العمال في الصناعات الحيوية في منطقة عطروت والمستوطنات إضافة لعدد محدود من العاملين في دور المسنين وقطاع الخدمات فقط مستمرون في العمل حاليا؛ وعددهم لا يتجاوز الـ 8,000 عامل بحسب التقديرات.
الوضع يزداد خطورة في ظل تصريحات وزير الاقتصاد نير بركات حول ضرورة تبديل الفلسطينيين بعمال أجانب من الهند وعن نية اسرائيل بوقف الاعتماد على العمالة الفلسطينية. في الواقع، إن تنفيذ خطة كهذه هي امر صعب للغاية، سيما وإن حالة الحرب تردع العمال الأجانب من القدوم الى إسرائيل للعمل واستبدال الفلسطينيين.
غير أن مقابل هذا التوجه الخطير لا نرى تحركًا كافيًا من قبل السلطة الفلسطينية التي كان من المفروض أن تمثل العمال. بدلًا من الإحتجاج على المأساة التي يتعرض لها العمال، يبدو أن هناك صمتًا من قبل السلطة في هذا الصدد. هذا الموقف الخاطئ يشير إلى أن السلطة الفلسطينية التي ليس بمقدورها توفير أماكن عمل بديلة للعمال او حتى تقديم المساعدات المالية للعمال أثناء فترة البطالة القسرية، تتخذ موقفًا “خجولًا” إزاء مسألة العمل في إسرائيل بإعتباره نوع من الإهانة للوطن وأمرًا الأفضل تجانبه. في الواقع بجب ان يدرك الجميع بأن العمل في داخل إسرائيل هو مصدر قوة مباشر وعلى المدى البعيد للفلسطينيين والعمال الذين يعملون داخل الخط الأخضر ويتعرضون للمعاناة والإستغلال هم أناس شرفاء يضمنون في عملهم الحياة للمجتمع كله.
عمال غزة عرضة للاعتقال والطرد
من أصل 18,500 عامل الذين عملوا في إسرائيل، تواجد في إسرائيل نحو 4,000 عامل يوم السبت السابع من أكتوبر، بحسب التقديرات.
فور الإعلان عن الحرب تم إلغاء كافة التصاريح لعمال غزة. فمن كان في هذا اليوم بغزة أصبح محظورا عليه الدخول إلى إسرائيل ومن بقي في إسرائيل فقد بلحظة واحدة السند القانوني الذي يتيح له التواجد والعمل في إسرائيل. وعليه، فقد تم اعتقال أغلب العمال الذين كانوا في اسرائيل آنذاك، وبظروف غير إنسانية، بعد أن زجّ بهم في معتقل “عوفر” ومعسكر آخر في منطقة القدس.
بحسب شهادة العمال الذين قضوا أكثر من شهر في المعتقلات، كان التعامل معهم قاس جدًا وكان يشوبه حس الانتقام، وكأنهم مسؤولين عما قام به مسلحو حماس بحق المدنيين الاسرائيليين في ذلك اليوم.
بعد مضي شهر على احتجاز العمال، تم نقل 3,200 من بينهم إلى معبر كرم أبو سالم، جنوب قطاع غزة (بتأريخ 3.11)، إذ رافق هذا الإجراء الإعلان عن الإفراج عنهم وإسقاط تهمة جمع المعلومات الاستخباراتية لصالح حماس، التي روج لها في الصحافة الإسرائيلية سابقًا. رغم شطب هذا الاتهام الخطير بحقهم، وبالتالي الإعتراف من طرف إسرائيل بان العمال من غزة هم مدنيين أبرياء ليس لهم ضلع في الحرب، شكى العمال الذين تم الإفراج عنهم إن السلطات الأمنية صادرت منهم قبل مرورهم الى غزة هواتفهم النقالة وبطاقات هوياتهم.
نقابة “معا” ملتزمة بمواصلة العمل لضمان حقوق العمال
نحن في “نقابة معا” نعمل بكل الطرق المتاحة لطرح الموضوع على طاولة متخذي القرارات وممارسة الضغط على السلطات الإسرائيلية والمؤسسات الدولية في هذا الاتجاه. ونشير الى أن إهمال قضيتهم من قبل المؤسسات الرسمية الفلسطينية يضعف موقفنا وبالتالي يبقى مصير العمال بيد السلطات الإسرائيلية واعتباراتها الأمنية الضيقة.
من أبرز نشاطاتنا:
أولا – لقد أنشأ مكتب “معًا” في القدس مركزًا لمساعدة العمال وقام بنشر دليل حقوق للعمال، كما ويقدم الاستشارة لآلاف العمال ويرافقهم في المسار القضائي إذا اقتضت الحاجة.
ثانيا – معًا تقوم منذ اليوم الأول باتصالات مع المؤسسات الرسمية وجهات دولية ومع الصحافة، لحث إسرائيل على فتح الحواجز والسماح للعمال بالعودة الى أماكن عملهم.
ثالثا – بالتعاون مع جمعية “عنوان العامل” توجهنا برسالة إلى السلطات المعنية مطالبين بتعويض العمال الفلسطينيين بأجر شهر واحد من صندوق التقاعد التابع لهم كخطوة مؤقتة، الى حين اتخاذ القرار النهائي في مسألة أفقهم المهني.
نحن نعتقد أن عودة العمال الفلسطينيين تصب في مصلحة كلا الطرفين. كما أن للجانبين الاسرائيلي والفلسطيني دوافع اقتصادية وسياسية تعزز من ضرورة إعادتهم إلى ورشات العمل ورفض كافة الحلول العنصرية والوهمية التي تهدف منع دخولهم او استبدالهم بعمال أجانب. وعليه؛ ندعو لإعادة العمال الفلسطينيين لأماكن عملهم فورًا وتفعيل كافة الضغوط محليًا ودوليًا في المسارين السياسي والإعلامي لضمان الأمر.
نحن نرى بأن هذه الحرب في جوهرها هي حرب بين اسرائيل وحركة حماس وليست حربًا مع الشعب الفلسطيني، وعليه لا يجوز تحميل العمال الفلسطينيين مسؤولية ما قامت به حماس أو معاقبتهم عليها. ونؤكد من جانبنا على ضرورة إبقاء أواصر العلاقات الاقتصادية والإنسانية بين الإسرائيليين والفلسطينيين قائمة. نقابة معًا ملتزمة بدعم العمال الفلسطينيين بكافة الوسائل، وذلك في إطار سعينا إلى السلام بين الشعبين – سلام حقيقي مبني على المساواة والحرية للجميع.