بقلم شلومو تايتلبوم، صحيفة كلكاليست 4.1.24
“يعتمد ثلث صناعة البناء على حوالي 80 ألف عامل فلسطيني، الذين لم يدخلوا إسرائيل منذ اندلاع الحرب. وهناك 45 ألف إسرائيلي آخر عملوا في الصناعة ولم يعملوا منذ الحرب، و50% من مواقع البناء مغلقة منذ الحرب. تمثل صناعة البناء والتشييد حوالي 6% إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا التباطؤ في الربع الأخير من العام فقط خصم 0.5% من النمو السنوي لعام 2023. ووفقا للبحث الذي أجريناه، سيؤدي هذا إلى زيادة بنسبة 1% في أسعار المساكن”. هذا ما قاله الدكتور إيال أرغوف، مدير قسم التصورات الاقتصادية (ماكرو اكونومي) في قسم الأبحاث في بنك إسرائيل، في مؤتمر معهد أهارون للسياسة الاقتصادية الذي عقد الأسبوع الماضي في جامعة رايخمان.
كلمات أرجوف موجزة وحادة، غياب العمال الفلسطينيين ولا يضر بصناعة البناء والتشييد فحسب، بل بالاقتصاد ككل، وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار المساكن. ومع ذلك، حتى الآن، بعد مرور 90 يومًا على اندلاع الحرب، قررت الحكومة (ومجلس الوزراء العسكري) عدم اتخاذ قرار، ولم تقدم الخطوط العريضة التي يمكن من خلالها جلب العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل. لكن في المقابل، لم تعلن الحكومة أيضاً أن “عصر تشغيل الفلسطينيين في صناعة البناء قد انتهى”. الشيء الوحيد الذي تفعله الحكومة الآن هو بذل الجهود لجلب العمال الأجانب إلى إسرائيل. الحكومة رفعت الحصص إلى 50 ألفاً، والآن تعمل بشكل حثيث على زيادة الحصص إلى 80 ألفاً، في وقت بات واضحاً للجميع أن حل العمالة الأجنبية ليس حلاً على المدى القريب، ويخلق مشاكل على المدى الطويل.
وكما هو الحال مع القضايا الاقتصادية الأخرى التي تمس القضايا الأمنية، فإن الهيئات الاقتصادية في الحكومة عاجزة، ولا تملك الخبرة الأمنية أو الوصول إلى الصورة الاستخباراتية الكاملة التي تسمح لها بتحديد ما إذا كانت هناك مخاطر أمنية في السماح للفلسطينيين بالعودة الى اماكن العمل، أو إذا كان من الممكن إدارة هذه المخاطر الأمنية بطريقة أو بأخرى.
وبالنظر إلى تركيبة الحكومة، وكما يظهر في المحادثات مع المسؤولين الحكوميين، هناك قلق كبير من أن الحكومة لا تبذل قصارى جهدها للتفكير في الطرق التي سيكون من الممكن من خلالها إعادة بعض العمال الفلسطينيين إلى العمل. هذا الهروب من اتخاذ الموقف هو في الواقع من إفرازات التفكير الذي يعتمدها بعض المسؤولين الحكوميين، الذين لا يفكرون ابدا بانه هناك فرق بين الفلسطينيين. بالنسبة لهم “كلهم إرهابيون”، و”الجميع هم حماس”. ولا يستطيع الاقتصاديون القول ما إذا كانت هناك خطورة في جلب العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، لكنهم يستطيعون القول إن حل جلب عشرات الآلاف من العمال الأجانب غير قابل للتطبيق على المدى القصير، ويمكن أن يسبب مشاكل خطيرة على المدى الطويل.
ويحاول المدير العام لوزارة الإسكان، يهودا مورجنسترن، اتخاذ الإجراءات اللازمة لجلب العمال الأجانب. وقد أجرى كبار المسؤولين في مكتبه مقابلات مع خمسة آلاف عامل محتمل في الهند، والآن يقيمون في سريلانكا ويحاولون توظيف نحو ثلاثة آلاف آخرين. كما نجح مورجنسترن في زيادة الحصص إلى 50 ألف عامل أجنبي، لكنه يعترف أيضًا بأن “العمال الفلسطينيين مطلوبون أيضًا، وجلب العمال الأجانب هو خطوة تكميلية. وشدد على أن “هناك مجالات يعمل فيها الفلسطينيون فقط”.
مورغنسترن متفائل ويقول إنه “بحلول 15 كانون الثاني/يناير، سيصل عشرة آلاف عامل أجنبي، ويمكننا جلب عشرة آلاف آخرين كل شهر”. وحتى لو تحقق سيناريو مورجنسترن المتفائل، فإن صناعة البناء والتشييد سوف تعاني من نقص في العمالة خلال الربعين ونصف العام المقبلين (او حتى شهر اب القادم على الاقل)، وهو ما يعني – كما قال أرغوف – الإضرار بالاقتصاد، وارتفاع أسعار المساكن.
ومع ذلك، فإن تاريخ صناعة البناء والتشييد خلال أوقات التوتر الأمني يجعل من الممكن الشك في تفاؤل مورغنسترن. وهكذا كان الوضع مشابهاً في فترة الانتفاضة الثانية وتم إيقاف دخول العمال الفلسطينيين. في ذلك الوقت، كان الإرهاب يأتي من أراضي السلطة الفلسطينية، وبالتالي فإن التحدي الأمني كان أكثر تعقيدا. ووفقا لأرغوف، لقد استغرق الأمر في حينه اكثر من 15 شهرا حتى تمكنت الدولة من جلب عمال اجانب بكمية ملموسة وحتى عندها كان عدد الاجانب فقط نصف عدد العمال الفلسطينيين الذين كانوا يعملون قبل الانتفاضة. بعبارة أخرى، فإن جلب العمال الأجانب أكثر تعقيدا مما يبدو في البداية.
ومع ذلك، يقول الخبراء في بنك إسرائيل أيضًا إنهم متفقون على أن هناك حاجة إلى التنويع المستقبلي للعمال غير الإسرائيليين في صناعة البناء والتشييد. أي أن هناك مجالاً لتقليل اعتماد إسرائيل على العمال الفلسطينيين، في ظل الانخفاض المستمر في عدد العمال الفلسطينيين في الصناعة خلال فترات التوتر الأمني. ومع ذلك، فإن تاريخ فرع البناء وتشغيل العمال الأجانب يعلمنا أيضًا شيئًا مهمًا على المدى الطويل، فمع التصعيد الأمني في التسعينيات، بدأت قفزة هائلة في عدد العمال الأجانب في صناعة البناء والتشييد، من 6000 في عام 1993 الى حوالي 79.500 عامل في عام 2002 ويتزامن ذلك مع انخفاض حاد في عدد الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في إسرائيل من حوالي 86.000 في عام 1992 إلى 13.000 في عام 2002.
الا انه ومنذ عام 2002 بدأت الحكومة العمل بلا كلل لتقليل عدد العمال الأجانب في إسرائيل (في جميع الصناعات). والسبب كان أنه في ذلك الوقت كان هناك أيضًا كساد اقتصادي ونسبة بطالة عالية، ومن الناحية الاقتصادية، كان معدل التوظيف منخفضًا عند حوالي 65٪، وكان هناك خوف من منافسة بين العمال الأجانب وبين الإسرائيليين. نفس الوضع قد ينتج عن القرار بجلب 50 ألف عامل أجنبي خلال السنة الحالية الامر الذي سيكون له عواقب اقتصادية خطيرة.
هؤلاء ال-50 ألف عامل من المقرر ان يعيشون في منطقة المركز حيث يتم العمل في فرع البناء بالاساس. فمن المقرر ان يخلق هؤلاء ضغطًا كبيرًا على البنية التحتية العامة والإسكان والنقل والصحة والتعليم. ووزارة الإسكان تعرف كيف تشير إلى حلول تقنية لهذه الصعوبات، ولكن من الواضح أن مثل هذه الزيادة الكبيرة في عدد العمال الأجانب لها عواقب.
إضافة إلى ذلك، تظهر التجربة أن تظهر احياننا الاحتكاك بين الإسرائيليين وبين العمال الأجانب، وفي مرحلة ما يبدل العمال الأجانب أقدام الإسرائيليين عن العديد من الوظائف.
النقطة الأهم هي أن الحكومة لم تتخذ قرارا بشأن ما تعتزم فعله مع العمال الفلسطينيين. على الحكومة أن تفهم أن قرار استقدام 50 ألف عامل اجنبي اليوم يعني دفع العمال الفلسطينيين إلى خارج حدود إسرائيل. وهذا قرار له آثار اقتصادية وأمنية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.
ويعتمد الاقتصاد الفلسطيني إلى حد كبير على العمالة في إسرائيل. ويبلغ الدخل من جراء اجور العمال الفلسطينيين في إسرائيل حوالي 4 مليارات دولار سنويا، أي حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني. ولا شك أن مثل هذا السؤال – هل تدفع اسرائيل بسبب قرارات الحكومة الاقتصاد الفلسطيني إلى التباطؤ أو ربما إلى الركود – هو سؤال يجب أن نحسمه بجدية، وليس من خلال حل فاشل لمشكلة ملحة قصيرة المدى. إن ابعاد العمال الفلسطينيين عن سوق العمل الاسرائيل سيخلق إغراءً كبيراً للمقاولين لتوظيف الفلسطينيين بشكل غير قانوني، حيث أن تكلفة الراتب الفلسطيني ستكون أقل بكثير، الأمر الذي سيؤدي إلى تكاليف رقابة كبيرة، وربما يزيد من المخاطر الأمنية.
ويجب على الحكومة أن تبذل جهداً لإعادة العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل، مع الحفاظ على الترتيبات الأمنية اللازمة. لكن على أية حال، لا يجوز للحكومة أن تقول لنفسها إن العمال الأجانب يحلون المشكلة على الفور. بل على العكس تقريبًا، فقد نجد أنفسنا في وضع لا يحل فيه حل العمالة الأجنبية المشكلة على المدى القصير، بل سيخلق مشاكل اكبر على المدى البعيد.