العمال للفلسطينيون الذين يعملون في المناطق الصناعية للمستوطنات في الضفة الغربية كانوا خلال عشرات السنوات ضحايا للاستغلال والتشغيل بطرق مسيئة. الان تبين أنه من الممكن تغيير ذلك بعد ان وقعت نقابة معاً العمالية في اواسط شباط 2017 إتفاق جماعيا مع كراج تسرفاتي – أحد أكبر الكراجات في منطقة ميشور أدوميم الواقعة في المنطقة ج. الإتفاق الجماعي الذي وقع عليه ايضا ممثل اللجنة العمالية في الكراج، يُنظّم ظروف العمل في الكراج خلال السنوات الاربع القادمة وحتى أنه يعوّض العمّال عن فترة زمنية سابقة للاتفاق لم يتم خلالها دفع كامل حقوق العمال القانونية. تم توقيع الاتفاق بعد أكثر من ثلاث سنوات من النزاع، الاضرابات والشكاوى القضائية.
يحتوي الاتفاق على مركب أساسي وهو تعويض العمال الفلسطينيين القدماء على الفترة السابقة، على أن يتم دفع الدين خلال 3 سنوات. إضافة الى ذلك ينظّم الإتفاق علاقات العمل في الكراج لفترة القادمة ويستلم خلالها العمال حقوقاً اجتماعية كاملة تشمل التقدّم في أجور العمل سنوياً وأيضاً الترقية بموجب المستوى المهني. الاتفاق ينظّم أيضاً طريقة الدفع مقابل أيام أعياد اليهود والمسلمين ويشكل نسقاً لحل المشاكل في المستقبل.
تم توقيع الاتفاق من قبل مدير كراج تسرفاتي، موريس تسرفاتي, مدير عام نقابة معاً العمالية، أساف أديب, ورئيس لجنة العمال، حاتم أبو زيادة, في مقر إجراءات التحكيم في تل أبيب. وكان التوقيع ثمرة لمسار التسوية بين الأطراف والذي قادته بحكمة ومهنية عالية القاضية المتقاعدة أورنيت أجاسي. حضر التوقيع المحامي يارون أليرام ممثلاً عن كراج تسرفاتي، والمحامين آية برطنشتاين، د. مورن سفوراي، أمير بشا وجلعاد زفيدة ممثيلين عن نقابة معاً وعن لجنة العمال.
تم إنشاء كراج تسرفاتي في الثمانينات في المنطقة الصناعية ميشور أدوميم وخلال سنوات طويلة قام بتشغيل عمال فلسطينيين من سكان مناطق السلطة الفلسطينية الحاصلين على تصاريح عمل في المنطقة. هؤلاء العمال وحوالي 30 ألف عامل غيرهم في المنطقة يعانون منذ فترة طويلة من ظروف تشغيل مسيئة حيث أن المناطق الاستيطانية متواجدة خارج السيادة الإسرائيلية، وفي أعقاب ذلك لا توجد هنالك رقابة فعّالة على ظروف تشغيل العمال. في أعقاب قرار المحكمة العليا “جفعات زئيف” سنة 2007 والتي قررت أن العمال الفلسطينيين في المناطق الاستيطانية يستحقون حقوقاً مساوية لحقوق العمال الإسرائيليين، تغيّر الوضع القضائي. دعوى عمال كراج تسرفاتي لتعويضهم عن السنوات السابقة وللحصول على ظروف أجور كما هو مقبول في إسرائيل جاءت على هذه الخلفية.
في سنة 2013 قرر عمال الكراج أن يُنظّموا أنفسهم في صفوف نقابة معاً، حين انضمّ أكثر من 40 عاملاً – أكثر من نصف عمال الكراج – إلى النقابة. في أعقاب ذلك أعلنت النقابة عن تمثيلها للعمال وفي أيلول 2013 بدأ التفاوض بين الأطراف. بالمقابل وخلال فترة حوالي نصف سنة قامت إدارة الكراج بتحسين ظروف العمل بشكل لافت. منذ كانون ثاني 2014 يدفع كراج تسرفاتي لكل عامل أجراً وفق الحد الأدنى حسب القانون، عطل، أيام مرض، أعياد، بدل تعويضات تقاعد، بدل نقاهة وتكاليف سفر حسب القانون. إلّا أن نقابة العمال “معاً” طالبت بأكثر من ذلك – تعويض العمال عن عدم دفع مستحقات أساسية لفترات طويلة، ترقية الاجور حسب المستوى المهني للعمال وإضافة علاوات الأقدمية كما هو ملزم وفق الاتفاق الجماعي في فرع الكراجات.
على خلفية هذه المطالب وصلت المفاوضات في تموز 2014 إلى طريق مسدود وقررت إدارة الكراج فصل رئيس لجنة العمال بادعاء أنه حاول تخريب سيارة (عسكرية) التي كان يعمل على صيانتها. لاحقا تم تقديم شكوى ضده في الشرطة. في أعقاب ذلك نشأ بين الأطراف نزاع قضائي حاد تمكنت من خلاله النقابة من ازالة التهمة ضد رئيس اللجنة العمالية بإعتبارها شكوى غير ذات مصداقية. وانتهى الصراع القانوني بين الطرفين بقرار محكمة العمل اللوائية في شباط 2016 والذي حكم بأنه على المشغّل أن يعيد حاتم ابو زيادة رئيس اللجنة العمالية إلى عملة وتعويضه على فترة الفصل عن العمل. الاستئناف على هذا القرار أمام رئيس محكمة العمل القطرية في القدس رفض فيما بعد وفي أيار 2016 عاد حاتم أبو زيادة للعمل في الكراج بعد غياب 21 شهر.
مع عودته إلى العمل بدأت الاتصالات بين الأطراف للتفاوض على إتفاق جماعي وذلك بمساعدة مسار التسوية التي قادته القاضية اغاسي. وأثمرت هذه العملية على إتفاق جماعي يشمل كل البنود التي كانت موضع خلاف في حينه. هذا الاتفاق هو الأول من نوعه والذي تم توقيعه بخصوص العمال الفلسطينيين في المناطق الاستيطانية في الضفة الغربية وهو يشكل سابقة هامة قد يستفيد منها عمال فلسطينيين آخرين الذين لا يزالون يعملون في ظروف استغلال.