مر أكثر من عامين منذ أصبح محمد أمارة – عمره 48 سنة متزوج وأب لخمسة أطفال- عاجزاً بشكل كامل بعد أن أصيب في موقع البناء في الخضيرة حيث كان يعمل. حصل الحادث في 24 تموز عام 2014 ولكن أمارة يعيش تفاصيله كما لو أنه حدث يوم أمس. من الصور التي عرضها علي وعلى الناشط حسني طه حين زرناه ببيته في كفر كنّا يوم 22/9، يظهر بشكل واضح الإهمال في بناء السقائل الذي كان السبب بسقوطه من الطابق السادس. نرى في الصورة أيضاً إصابته البالغة في الرأس التي أدت إلى خضوعه للعلاج لفترة طويلة. حسبما يعرف فإنه لم يتم تقديم أحد إلى المحاكمة في أعقاب هذا الحادث.
أمارة يشعر بأنه محاصر ثلاث مرّات: ليس فقط أنه أصيب في حادث عمل قاسٍ وأصبح عاجزاً, ليس فقط أن أحداً لم يدفع الثمن على التسبب في الإضرار بحالته الصحية والجسدية وبجودة حياته ومعيشته, ولكن أيضاً أن ليس لديه عنواناً يتوجه إليه في ضائقته. صحيح أن التأمين الوطني اعترف بحادث العمل وقرر بعجزه المؤقت، ولكن غير المستحقات المحدودة التي يدفعها التأمين الوطني، فإنه لا يحصل على أي مساعدة من المُشغّل أو من صندوق التقاعد الذي كان يجب أن يؤمّن إضافة مهمة على دخل البيت بسبب فقدان القدرة على العمل.
أمارة لا يبخل في مديح العلاج المهني والتعامل الإنساني الذي حصل عليه في مشفى “بيت لفينشتاينط في رعنناه، ولكن ما زال يعاني من الأوجاع. كان يمكنه الإندماج في برنامج إعادة التأهيل المهني في مركز التأهيل المهني التابع للتأمين الوطني في الناصرة، ولكن ليس هنالك من يرافقه ويتعرّف على حاجاته وقدراته. حالياً هو وحيد في بيته يراكم الديون والإحباط.
عمل أمارة في شركة بناء كبيرة، ولكن تم تشغيله من قبَل متعهد ثانوي من بلدة الرينه، حصل على العمل من المتعهد الرئيسي في الموقع والذي يقيم في يافة الناصرة. لم يتواصل معه أي أحد من الجهات الثلاثة ولم يهتم أحد بتأمين تقاعده، رغم أنه حسب الإتفاق الجماعي لفرع البناء وقرار التوسع الملزم لكل مقاولي البناء فإنه لزام على كل مُشغّل تأمين عماله في صندوق تقاعد وتامين حياة ابتداء من يوم العمل الأول. ويشكل التأمين التقاعدي تأميناً لفقدان القدرة على العمل وتأمينات إضافية. العامل الذي يتم تأمينه ويفقد قدرته على العمل في أعقاب مرض أو حادث عمل يجب أن يحصل على راتب تعويضي قد يصل إلى 75% من الراتب المؤمّن، وبإضافة التوفير المتراكم من صندوق التقاعد، وراتب تعويضي للأبناء تحت سن ال 21. حتى هذا المعاش فإنه لا يعوّض شاباً أصبح عاجزاً بسبب الإهمال، ولكنه يؤمّن دخلاً معيشياً بالحد الأدنى وكي لا تتعرض عائلته للضرر.
القانون يحسم بأن صاحب العمل الذي لم يؤمّن العامل، عليه أن يدفع لهذا العامل كل المستحقات التي كان سيحصل عليها من صندوق التقاعد لو كان مؤمّناً. في حالة محمد أمارة، فقط معجزة سماوية أو دعوى قضائية يمكن أن تمنحه حقوق الحد الأدنى هذه، ولكن هذا مسار طويل جداً.
محمد يتابع عبر الإنترنت كل ما يحدث في مجال البناء، ويفرحه أنه أخيراً وليس آخراً فإن من يتعرض لحادث عمل يحصل على تغطية إعلامية وشعبية كبيرة. وهو جاهز للمشاركة في كل نشاط أو فعالية قد تساعد عمالاً آخرين وتساهم في الترويج ضد حوادث العمل الناجمة عن الإهمال التي هو أحد ضحاياها. خرجت من الزيارة المحبِطة والداعية للتحمس في آن، وكان شعوري أنه ممنوع علينا أن ننسى العمال الذين أصيبوا. لأجلهم ولأجلنا جميعاً.