ترفض شركات التأمين الإسرائيليّة تأمين العمّال الفلسطينيّين في مناطق المستوطنات بتأمين فقدان القدرة على العمل. حوالي ثلاثين ألف عامل فلسطيني من سكان السلطة الفلسطينية يعملون لدى مشغّلين إسرائيليّين في مناطق إسرائيليّة في المنطقة C. يعمل معظم هؤلاء العمّال بشروط عمل استغلاليّة وبدون حقوق في الوقت الحالي أيضًا، بعد ستّ سنوات من صدور قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ، الذي أوضح أنّه يجب تشغيلهم بحسب شروط عمل وفق القانون الإسرائيليّ. وقد اتّضح اليوم أيضًا أنّ العمّال الذين يعمل مشغّلوهم حسب القانون، لا يحظون بتأمين لفقدان القدرة عن العمل.
الوثيقة التي تقدمها اليوم نقابة معا تهفد الى يرسيخ الأساس القانونيّ والمعياريّ لحقّ هؤلاء العمّال في الحصول على تأمين تقاعديّ شامل يتضمّن تأمينًا لفقدان القدرة على العمل.
تنظّم نقابة العمّال “معًا” في صفوفها عمّالاً يهودًا وعربًا من جميع الأوساط دون فرق في الدين والقوميّة والجنس. كما وتسعى النقابة إلى تحقيق تكافؤ الفرص للعاملات والعمّال العرب في إسرائيل. تنظّم “معًا” في صفوفها أيضًا عمّالاً فلسطينيّين يعملون في مناطق المستوطنات.
يعمل عشرات آلاف العمّال الفلسطينيّين منذ سنوات طويلة لدى مشغّلين إسرائيليّين في المصانع والشركات والأشغال الخاصّة في المنطقة C في الضفّة الغربيّة. يعمل معظم هؤلاء العمّال بشروط عمل جائرة وأجر منخفض، ولا يحصلون على حقوقهم في العمل كما ينصّ عليها القانون، ويعملون في بعض الأحيان بدون قسيمة أجر وبدون تأمينات وحقوق اجتماعيّة. بل وأكثر من ذلك، فالأجر الذي يُدفَع لهؤلاء العمّال يتراوح بين 100 وَ 140 شيقل ليوم العمل الكامل (الأجر الأدنى اليوميّ مقابل 8 ساعات عمل هو في الوقت الحاضر 185 شيقل، تُضاف إليها رسوم سفر بمبلغ 25 شيقل. (أي أنّ الحدّ الأدنى للأجر اليوميّ للعامل هو 210 شيقل في الوقت الحاضر). كما أنّ الغياب عن العمل بسبب الأعياد أو المرض أو حادث عمل لا يُدفَع للعامل، فالدفع يتمّ مقابل ساعات العمل الفعليّة فقط.
على خلفيّة هذا الوضع والتمييز الشديد بحقّ هؤلاء العمّال، الذين يعملون إلى جانب عمّال إسرائيليّين في نفس الشركات بشروط متدنيّة، بدأ بعض العمّال الفلسطينيّين بالتوجّه إلى محكمة العمل للمطالبة بحقوقهم. على ضوء حقيقة وقوع المنطقة C خارج السيادة الإسرائيليّة، وعلى ضوء حقيقة عدم كون هؤلاء العمّال مواطنين إسرائيليّين، ساد خلال سنوات طويلة عدم وضوح بالنسبة للأساس القانونيّ الذي يُلزم المشغّلين في هذه المنطقة. تبدّد عدم الوضوح هذا بعد قرار حكم محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ عام 2007 (قرار محكمة العدل العليا رقم 5666/03 الذي قدّمت الالتماس بشأنه منظّمة خط للعامل (كاڤ لعوڤيد) باسم عمّال فلسطينيّين عملوا في مستوطنة چڤعات زئيڤ وطالبوا بمساواة شروط عملهم لشروط عمل العمّال الإسرائيليّين الذين يعملون لدى نفس المشغّل) والذي فرض تطبيق قوانين العمل الإسرائيليّة على علاقات عمل العمّال الفلسطينيّين الذين عملوا لدى مشغّلين إسرائيليّين في مناطق إسرائيليّة في المنطقة C، وقرّرت المحكمة أنّه يجب مساواة شروط العمل وحقوق العمّال الفلسطينيّين لتلك التي يحصل عليها زملاؤهم الإسرائيليّون الذين يعملون لدى نفس المشغّلين في هذه المناطق.
قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ- حجر الأساس في الاعتراف بحقوق العمّال الفلسطينيّين
صدر قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ بإجماع تسعة قضاة برئاسة رئيسة المحكمة العليا آنذاك، حضرة القاضية دوريت بينيش. وضع قرار الحكم هذا البنية التحتيّة القانونيّة للتعامل مع وضع العمّال الفلسطينيّين الذين يعملون لدى مشغّلين إسرائيليّين في مناطق إسرائيليّة في المنطقة C.
في أعقاب قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ، صدرت أيضًا قرارات حكم أخرى في محاكم العمل تطبّق المعيار الذي تمّ إقراره في هذا القرار، بل وحدّدت أنّ نهج قضيّة چڤعات زئيڤ يجب أن يسري بأثر رجعيّ- منذ بدء تشغيل العامل، وليس منذ يوم صدور قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ [دعوى تنظيميّة 1729-10 إبراهيم مساعد ضدّ كيبوتس چلچال، قرار حكم في تاريخ 11.8.11؛ وَ 1342-01-11 وَ 12047-01-11 يوسف بشارات ضدّ ريئوڤن بالي في محكمة العمل القطريّة، قرار حكم في تاريخ 26.11.13؛ وَ 2549/08 زبن بلال وآخرون ضدّ إيڤن بار في محكمة العمل اللوائيّة في القدس].
من الجدير بالذكر أنّه قُدِّم في هذه الأيّام في محكمة العمل القطريّة استئناف على قرار الحكم في الدعوى التنظيميّة 2106/10، 3675/10، نزاع عمل 524-05-10، 24501-05-10، خريشي وآخرون ضدّ “سينون وتيپول بمايم م.ض”، الذي صدر في 3.11.13، واستثنى قضيّة العمّال الذين قدّموا الالتماس، والذين عملوا في المنطقة الصناعيّة نيتسني شلوم (المنطقة الصناعية المحاذية لطولكرم)، من قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ.
استحقاق تحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد
قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ لا يدع مجالاً للشكّ في كلّ ما يتعلّق باستحقاق العمّال الفلسطينيّين لتحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد. المطالبة الواضحة التي تقضي بمساواة شروط تشغيل العمّال الفلسطينيّين لتلك التي يحصل عليها زملاؤهم الإسرائيليّون تُلزِم ضمنًا توفير تأمين تقاعديّ، الذي يشكّل اليوم جزءًا هامًّا ومركزيًّا من الحقوق الاجتماعيّة للعمّال في إسرائيل.
في الماضي، واجب تحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد للعمّال في إسرائيل كان منصوصًا عليه في الاتّفاقيّات الجماعيّة وأوامر التوسيع في الفرع فقط. إلاّ أنّ هذا الوضع قد تغيّر بعد البدء بالعمل بأمر التوسيع للتأمين التقاعديّ في الحقل الاقتصاديّ في تاريخ 1.1.2008. ابتداءً من هذا التاريخ، من واجب كلّ مشغّل في إسرائيل تأمين عمّاله بتأمين تقاعديّ في صندوق تقاعد شامل، وعلى أثر قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ، حتّى لو كان هؤلاء العمّال يسكنون في أراضي السلطة الفلسطينيّة.
يشكّل التأمين التقاعديّ جزءًا هامًّا ومركزيًّا في الحقوق الاجتماعيّة للعامل. العامل المؤمّن بتأمين تقاعديّ شامل- تأمين مديرين أو صندوق تقاعد شامل- يستحقّ تحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد من جانب المشغّل بنسبة %12 حتّى %14.33 من أجره الأساسيّ، في حين يحوّل العامل نفسه بين %5 وَ %5.5 من أجره. النتيجة هي تحويل مبلغ شهريّ يبلغ حوالي %20 من أجر العامل للتقاعد وللتعويضات في صندوق تقاعد شامل يضمن له ثلاثة مركّبات تأمينيّة- أ. تأمين لسنّ التقاعد، ب. تأمين لورثته في حالة الوفاة، ج. تأمين في حالة فقدان القدرة على العمل.
في جميع قرارات حكم محاكم العمل في إسرائيل التي اعترفت بحقّ العمّال الفلسطينيّين في الحصول على حقوق وفقًا للقانون الإسرائيليّ في أعقاب قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ، ورد بوضوح الحقّ في تحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد كأحد الحقوق الأساسيّة، وطولب المشغّلون بدفع تعويض للعمّال إذا لم يقوموا بتحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد للعمّال. كانت قرارات المحاكم حاسمة في هذه المسألة.
الوضع على أرض الواقع- شركات التأمين ترفض تأمين العمّال بتأمين فقدان القدرة على العمل
منذ قرار محكمة العدل العليا في قضيّة چڤعات زئيڤ، بدأ عدد من المشغّلين الإسرائيليّين في المنطقة C بالقيام بتحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد للعمّال الفلسطينيّين. لا نملك معلومات حول العدد الدقيق للمشغّلين الذين أجروا تغييرًا في شروط تشغيل العمّال الفلسطينيّين، لكن من خلال العمل الميدانيّ لنقابة العمّال “معًا” مع مشغّلين من المنطقة C، اتّضح أنّ هؤلاء المشغّلين هم قلّة قليلة، منهم أساسًا الشركات والمصانع الكبرى، في حين يواصل معظم المشغّلين في هذه المناطق حتّى اليوم تشغيل العمّال الفلسطينيّين بخلاف القانون- بدون قسائم راتب وبأجر أقلّ من الأجر الأدنى وبدون حقوق اجتماعيّة، وكذلك بدون تحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد. لهذا السبب، النضال من أجل تطبيق قرار محكمة العدل العليا ومن أجل تغيير النهج المرفوض القاضي باستغلال العمّال الفلسطينيّين الذين يعملون في المنطقة C لا يزال مستمرًّا.
لكن اتّضح الآن أنّ المشغّلين الذين رغبوا في تطبيق قرار الحكم وبدأوا بالفعل بتحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد، واجهوا مشكلة جديدة من جهة غير متوقّعة- شركات التأمين الإسرائيليّة ترفض تأمين العمّال في صناديق تقاعد شاملة، وفي بعض الأحيان ترفض أيضًا تأمين العمّال تأمينًا عاديًّا. تكمن نقطة الخلاف الأساسيّة في مسألة التأمين لفقدان القدرة على العمل. في أحد أماكن العمل، الذي تنظّم فيه العمّال الفلسطينيّون في إطار نقابة العمّال “معًا”، وحصلوا من خلال نضال عمّاليّ على موافقة المشغّل على القيام بتحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد للعمّال، قوبلوا برفض شركات التأمين تأمينهم لفقدان القدرة على العمل. أدّت هذه الأمور إلى قيام “معًا” بفحص شامل، بمساعدة من الخبير في شؤون التقاعد، السيّد يعقوڤ زلوتنيك. يتّضح من هذا الفحص أنّ جميع شركات التأمين ترفض اليوم تأمين العمّال الفلسطينيّين لفقدان القدرة على العمل.
أمر التوسيع للتقاعد الإلزاميّ في الحقل الاقتصاديّ يحدّد بوضوح استحقاق كلّ عامل لتأمين تقاعديّ شامل، يتضمّن تأمينًا للورثة وتأمينًا للإعاقة، كما ورد في البند 3.أ:
“كلّ عامل، كما يتمّ تعريفه فيما يلي، لا يملك ترتيبًا تقاعديًّا مفيدًا كما يتمّ تعريفه فيما يلي، ويعمل أو سيعمل في أيّ مكان عمل، من حقّه أن يكون مؤمّنًا وفقًا لهذا الأمر، وأن يختار، ببلاغ كتابيّ للمشغّل في الفترة المحدّدة لذلك فيما يلي، في تقاعد شامل، وهذا يشمل صندوق تقاعد لمخصّصات التقاعد، تمّ التصديق عليه من قِبل المسؤول، يكون مؤمّنًا فيه ابتداءً من يوم استحقاقه لذلك كما ينصّ عليه البند 6هـ حتّى ز في هذا الأمر، وبشرط أن يشمل أيضًا تعويضات في حالة الوفاة والإعاقة في نفس الصندوق أو في صندوق آخر”. [أمر توسيع- صيغة مدمجة- للتقاعد الإلزاميّ 2011. موقّع من قِبل وزير التجارة والصناعة والتشغيل عضو الكنيست شالوم سمحون 3.8.2011. الوارد بالخطّ الغامق هو إضافة من طرفنا وليس في نصّ الأمر الأصليّ].
عمليًّا نواجه واقعًا لا تُطبَّق فيه أوامر القانون، وذلك بسبب حقيقة رفض شركات التأمين تأمين العمّال الفلسطينيّين لفقدان القدرة على العمل. تستغلّ شركات التأمين حقّها في اختيار مؤمّنيها، الأمر الذي ينمّ عن تمييز جماعيّ على خلفيّة قوميّة. ينعكس هذا التمييز أيضًا في المصانع التي تعمل في المنطقة C التي تشغّل عمّالاً فلسطينيّين وعمّالاً إسرائيليّين في نفس الوقت- يهودًا وعربًا، في أعمال الإنتاج والإدارة وغيرها- وهؤلاء الإسرائيليّون مؤمّنون بتأمين تقاعديّ شامل وقانونيّ.
النتيجة هي فقدان مصدر رزق وتأمين عشرات آلاف العمّال الذين يمكن أن يتعرّضوا لحادث عمل أو مرض في العمل أو خارجه.
ننوّه أنّ العمّال الفلسطينيّين الذين يعملون ضمن حدود دولة إسرائيل، في الأساس في فرع البناء، يحصلون على أجرهم عن طريق قسم الدفع وليس مباشرة من المشغّل. هؤلاء العمّال مؤمّنون في صندوق تقاعد شامل تابع لوزارة الماليّة، ويشمل تأمينًا لفقدان القدرة على العمل كجزء لا يتجزّأ من التأمين التقاعديّ.
إجمال
هدف هذا البيان كشف مشكلة حديثة نسبيًّا ظهرت فقط بعد أن بدأ بعض المشغّلين الإسرائيليّين بتحويل مبالغ مستقطعة لصناديق التقاعد للعمّال الفلسطينيّين.
الصورة التي اتّضحت على أثر العمل الميداني الذي قامت به “معًا”، والتي حاولنا عرضها هنا، أنّه بالإضافة إلى الصعوبة الأساسيّة التي تكمن في خرق واضح للقانون من قِبل المشغّلين الإسرائيليّين تجاه العمّال الفلسطينيّين في المنطقة C في الضفّة الغربيّة، هناك مشكلة أخرى تتعلّق برفض شركات التأمين الإسرائيليّة تأمين هؤلاء العمّال لفقدان القدرة على العمل.
نتحدّث هنا عن مسّ شديد بحقّ أساسيّ للعمّال الفلسطينيّين، ومن واجب السلطات في إسرائيل إيجاد حلّ- سواءً من خلال تعديل أوامر مراقب شركات التأمين أو من خلال تقديم ضمانات حكوميّة لشركات التأمين- بالضبط كما تعمل الدولة في كلّ ما يتعلّق بالعمّال الفلسطينيّين الذين يعملون عن طريق قسم الدفع.
طالما لم تُتّخذ هذه الخطوات، لن يتحقّق عمليًّا مبدأ مساواة شروط العمل وهناك تمييز فعليّ ضدّ هؤلاء العمّال. ليس فقط أنّ هؤلاء العمّال يعانون من التمييز بالمقارنة مع زملائهم في نفس مكان العمل، بل يجد هؤلاء العمّال في حالة فقدانهم للقدرة على العمل- بسبب مرض أو حادث عمل أو حادث آخر- أنفسهم بدون حقوق وبدون قدرة على كسب رزقهم، في حين يستحقّ زملاؤهم الإسرائيليّون في هذه الحالة مخصّصات شهريّة بحسب وضعهم.
محرّر هذه الوثيقة- أساف أديب، مدير عامّ نقابة العمّال “معًا”- 050-4330034، assafa@maan.org.il
للمزيد من المعلومات حول نشاطات نقابة العمّال “معًا” في هذا المجال، زوروا موقع الإنترنت وفي صفحة الفيسبوك.