نُشر في صحيفة The Marker، في 30.3.12
يعيش الوسط العربي في ضائقة شديدة. تبلغ نسب البطالة في البلدات العربية ثلاثة أضعاف نسب البطالة في الوسط اليهودي، السلطات المحلّية العربية لا تؤدّي وظائفها، نسبة الفقر في الوسط العربي أعلى بـِ %50 من المعدّل القطري. بحسب أقوال أيمن سيف، مدير سلطة التطوير الاقتصادي في وسط الأقلّيات في مكتب رئيس الحكومة، يبدو أنّ الحكومة تعترف أخيرًا بأنّ حلّ المشكلة يكمن في زيادة نسبة النساء العربيات العاملات من %27 إلى %40. هذا يعني إضافة 50 ألف امرأة عربية إلى سوق العمل. هذه غاية طموحة، تعني زيادة نسبتها %60 على عدد النساء العربيات العاملات خلال ثماني سنوات. كما ويشير سيف إلى قرار الحكومة القاضي بتخصيص 250 مليون شيقل بهدف تشجيع دخول النساء العربيات إلى سوق العمل. كانت هذه الأخبار السارّة، أمّا الأخبار السيّئة فهي أنّ هناك فجوة هائلة بين الأقوال والأفعال.
من أجل خلق أماكن عمل في الفروع الصناعية، يجب على الحكومة استثمار ملايين الشواقل في إقامة المصانع والبنى التحتية وفي تشجيع المستثمرين الأجانب وغير ذلك. هذه عملية حيوية، لكنّها تحتاج إلى وقت طويل، ولا تقدّم ردًّا فوريًّا لمشكلة البطالة. بخلاف ذلك، في فرع الزراعة، الذي يمكنه أن يوفّر آلاف الوظائف للنساء العربيات اللواتي لا يملكن أيّ تأهيل مهني، الوضع عكسي. فأماكن العمل موجودة، لكنّها غير متوافرة لأنّ 26 ألف عامل أجنبي يشغلها. هؤلاء العمّال الذين يتمّ استيرادهم بمسؤولية الحكومة، ويشكّلون قوّة عاملة رخيصة، تمنع تشغيل العمّال المحلّيين. قرار إداري حكومي يقضي بوقف استيراد العمّال الأجانب لفرع الزراعة لن يكلّف الحكومة شيئًا.
نُشر سنة 2007 تقرير اللجنة لقضية العمّال غير الإسرائيليين برئاسة البروفسور تسڤي إكشتاين، نائب عميد بنك إسرائيل في حينه. التقرير الذي تبنّته الحكومة، أقرّ بأنّه حتّى نهاية 2014 لن يتمّ تشغيل عمّال أجانب في الزراعة باستثناء منطقة العرابا، وأنّ عدد العمّال الأجانب سيكون 5000 عامل فقط. لا حاجة للتذكير بأنّ هذه القرارات لم تُنفَّذ، لأنّ الحكومة غير مستعدّة للوقوف أمام اللوبي الزراعي وأمام شركات القوى البشرية، التي تجبي آلاف الدولارات من العمّال الأجانب في بلاد منشئهم. هاتان الجهتان تكسبان أرباحًا كبيرة من استيراد العمّال الأجانب الذين يعملون بأجر متدنٍّ وبدون حقوق، ويبرّرون هذه السياسة بأقوال مثل: “هناك نقص في العمّال الإسرائيليين”، “العمّال الإسرائيليون لا يرغبون في العمل في الدفيئات في حرّ يبلغ 40 درجة مئوية”، “النساء العربيات يفضّلن العمل ليس عن طريق القانون”.
بهذه الطريقة تحوّلت عاملات الزراعة الإسرائيليات إلى قوّة عاملة مؤقّتة يعملن في المواسم الزراعية فقط، ومعظمهنّ عن طريق “الرئيس” بدون قسيمة راتب وبدون حقوق اجتماعية. طالما هناك عدد كبير من العمّال الأجانب الذين يعملون بأجور متدنّية تبلغ 14 شيقل في الساعة، لن يدفع المزارعون أجرًا قانونيًّا للعمّال الإسرائيليين. بذلك يخلق المزارعون نبوءة تحقّق ذاتها. فقط النساء اللواتي يئسن من العثور على عمل على استعداد للعمل في مثل هذه الشروط، التي تجعل العمل في الزراعة عملاً متدنّيًا.
من أجل كسر هذه الدائرة، بادرت نقابة العمّال “معًا” إلى مشروع لتشغيل النساء العربيات قبل سبع سنوات. رغم العدد الكبير للعمّال الأجانب في فرع الزراعة، نجحت “معًا” في تشغيل نساء عربيات في حوالي 100 مزرعة خلال السنوات السبع الماضية. بما أنّ “معًا” هي نقابة صغيرة ومحدودة الموارد، بإمكان الحكومة اعتبار مشروع “معًا” تجربة ناجحة بالتأكيد. تثبت تجربة “معًا” أنّ هناك آلاف النساء العربيات اللواتي يبحثن عن عمل ثابت بشروط اجتماعية، وعلى استعداد للعمل في الزراعة وفي الدفيئات مقابل أجر قانوني.
ما نجحت “معًا” في تحقيقه بالآلاف، بإمكان الحكومة تحقيقه بعشرات الآلاف، لو تجنّدت للمهمّة ونفّذت قراراتها وتوقّفت عن المتاجرة بالعمّال الأجانب الضعفاء الذين يعملون بأجور متدنّية. بوسع الحكومة تطبيق مبدأ منع إغراق السوق بالبضائع الرخيصة، ووقف استيراد العمّال الأجانب، وبوسعها فرض غرامة تحمي العاملات المحلّيات من المنافسة غير العادلة.
هذا لا يكفي، فالزراعة ليست كلّ المشكلة. يجب على الحكومة أن تستثمر في البنى التحتية وفي الصناعة وفي المواصلات وفي بناء روضات أطفال ودور حضانة وفي التأهيل المهني وغير ذلك. على ضوء السياسة الاقتصادية غير الاجتماعية التي تنتهجها، نشكّ بأنّ الحكومة ستفعل ذلك. من جهة أخرى، المطلوب في الزراعة القيام بخطوة سهلة ولا تكلّف شيئًا. إذا لم تعمل الحكومة على تقليص استيراد العمّال الأجانب، فإنّ كلّ شيء سيبقى كلامًا منثورًا في الهواء، كما يقول المثل الشعبي: “الحكي ما علهوش جمرك”.
الكاتب هو مركّز عمّال الزراعة في نقابة العمّال “معًا”.