أعاد هجوم “بني براك” الدامي شرقي تل أبيب، الذي نفذه أحد سكان الضفة الغربية، الثلاثاء 29 آذار/مارس، تذكير مؤسسات الأمن الإسرائيلية وتبعتها وسائل الإعلام، بأن هناك عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يدخلون يومياً إلى إسرائيل عبر الفتحات في جدار الفصل. ومع إعادة طرح هذه المشكلة -وخلافاً للواقع- تقتصر الحلول المقترحة على أمر واحد، وهو المطالبة بإغلاق فتحات الجدار ومنع العمال من الدخول مع تشديد الحراسة من قبل الشرطة والجيش على محيط الجدار.
لكن في الواقع هذا الطرح ليس عملياً، ويخطئ المعلّقون على ثغرة فتحات الجدار في قراءة الوضع بالشكل الصحيح، عندما يرفعون صوتهم بعدم التهاون مع تسلل العمال، مدعين أن العمال يستغلون “الليونة” الإسرائيلية، إلا أنهم يتجاهلون حقيقة هامة جداً، وهي أن آخر من يحتاج إلى فتحات جدار الفصل هم العمال الفلسطينيون.
من المهم أن نذكر بأن الفتحات التي نتحدث عنها ليست سرية، بل هي من انتاج الجهاز الأمني الإسرائيلي نفسه. وقد كتب في هذا الموضوع الصحفي ناحوم برنع (يديعوت أحرونوت في 04.04.2022 )، وقال إن من الخطأ ومن غير المجدي استثمار الأموال والميزانيات في إغلاق فتحات الجدار، لأنه بعدما تعود الأمور إلى طبيعتها كما كانت من قبل، سيكتشف الجميع مرة أخرى بأن هناك حاجة للفتحات في الجدار لأنها تخدم أحيانا الحاجة للسماح للمواطنين الفلسطينيين بالدخول إلى إسرائيل دون الحاجة لاتخاذ قرار علني في الموضوع وبالتالي الالتفاف على المعارضة السياسية اليمينية لزيادة حصة العمال.
ويجب التذكير، بأن العمال الفلسطينيين العاملين في قطاعات البناء والزراعة والفنادق والصناعة في إسرائيل لا يشكلون خطراً على أمن السكان الإسرائيليين، وإذا كان جزء كبير منهم اختار الدخول عبر الفتحات وليس بطريقة رسمية ومنظمة فإن ذلك سببه الخلل القائم في نظام تصاريح العمل الجائر. هناك 150 ألف عامل يدخلون إلى إسرائيل وإلى المستوطنات للعمل كل يوم ويلعب هؤلاء دوراً هاماً في تشغيل العجلة الاقتصادية لدى كل من السلطة الفلسطينية والاقتصاد الإسرائيلي، لذا يستحق هؤلاء العمال الاحترام وليس الحقد والملاحقة والإذلال.
إن مَن يدخلون عبر فتحات الجدار يتعرضون للملاحقة وفي حالات عديدة يستغلونهم المقاولون ولا يدفعون لهم الأجور. كما أن هؤلاء العمال عرضة للإهمال في حالة وقوع حوادث عمل، لا سيما وأنهم ما كانوا ليختاروا الدخول لكسب قوت يومهم بهذه الطريقة، لو توفرت لديهم بدائل قانونية للحصول على العمل من خلال صاحب عمل رسمي ومنظم.
إضافة إلى هؤلاء هناك عدد إضافي من العمال (تشير التقديرات إلى أن عددهم نحو 43 ألف عامل وهو نفس العدد الذين كانوا يدخلون عبر فتحات الجدار)، تجبرهم الظروف على دفع آلاف الشواقل كل شهر للحصول على تصاريح العمل. فإن هذا النوع من العمال يعملون لدى أصحاب عمل بشكل غير نظامي وغير مسجل، إذ أن صاحب العمل الرسمي الذي يسجلهم هو في الواقع مجرد تاجر تصاريح يربح على حسابهم 2500 شيقل شهرياً، في استغلال واضح.
إن الفوضى القائمة بموضوع التصاريح وطريقة إصدارها تشكل أرضاً خصبة لعدد كبير من المقاولين والسماسرة الذين يجنون الملايين في تجارة التصاريح، ومؤخراً تم الكشف عن أصحاب عمل ممن كان لديهم صلاحية لتشغيل عدد قليل من العمال فقط وطالبوا زيادة العدد إلى 300 تصريح الأمر الذي فتح المجال أمامهم لجني أرباح خيالية كل شهر على حساب العمال من دون فتح مشاريع أو ورشات بناء على الإطلاق.
من هنا، يجب على السلطات الإسرائيلية بدل البحث عن حلول سحرية أن تغير التفكير وتفهم أن العمال هم بشر يجب التعامل معهم بطريقة إنسانية ومتساوية مع باقي الناس.
وفي هذا السياق، من الجدير ذكره بأن نقابة “معاً” العمالية وبالتعاون مع مؤسسة “ليب” (LEAP)، لتقديم المساعدة القانونية للفلسطينيين قامت قبل عدة شهور بتقديم اقتراح لإصدار “غرين كارد” (البطاقة الخضراء) للعمال الفلسطينيين، مما كان من الممكن أن يغلق الباب امام السماسرة واستغلال العمال وبالتالي يوفر للعمال الجوء إلى فتحات الجدار للدخول إلى أماكن عملهم. الـ “غرين كارد” من شأنه تحييد نفوذ السماسرة وظاهرة الاتجار بالتصاريح كما من الممكن ان يضع حد لدخول العمال عبر الفتحات في الجدار.
ووفقاً لاقتراح “معاً”، الذي ينص على أن يحصل العمال على تصريح دخول دائم للعمل في المهنة التي يعملون فيها، الأمر الذي يمكّنهم البحث عن صاحب عمل بحرية من دون الخوف من إلغاء تصاريحهم.
لا يحتاج العمال الفلسطينيون إلى فتحات في جدار الفصل، هم بحاجة إلى حرية التنقل وحرية اختيار صاحب العمل. هذا ما ستسمح لهم به بطاقة “غرين كارد” والتي ستجعل العمال يدخلون من البوابات الرئيسة من دون إذلال أو استغلال.