2500 شيكل شهريًا. هذا ما يدفعه وبشكل غير قانوني كل عامل فلسطيني يريد ان يعمل داخل إسرائيل. هذا المبلغ يتقاسمه طرفان، وسيط فلسطيني ومقاول إسرائيلي في حين يضطر العامل للبحث عن عمل بنفسه، اذ يقتصر دورهما على بيعه التصريح دون القيام بتوظيفه على الاطلاق ■ في عام 2021، بلغ حجم الأموال المتداولة في هذه التجارة أكثر من 1 مليار شيكل.
بقلم الصحافية طالي حروتي سوبر في صحيفة دي مركر 25 كانون الثاني (يناير) 2022
خلال زيارة استغرقت ساعتين خلال الأسبوع الثاني من شهر كانون ثان الى المعبر الغربي لمدينة طولكرم في ظهيرة يوم شديد البرودة، شوهد مئات الفلسطينيين، وربما الآلاف، وهم في طريق عودتهم إلى بيوتهم. باستثناء عدد قليل من النساء اللواتي يعملن على الأرجح في الزراعة، كان هناك العديد من الرجال يرتدون ملابس نظيفة وأحذية عالية وملطخة، مما يدل أنهم عملوا في فرع البناء. بدأ هؤلاء العمال يومهم في صبيحة اليوم ذاته قبل 14 ساعة عندما كانوا في طريقهم إلى إسرائيل، ويتوقعون الآن ركوب سيارة أجرة فلسطينية في طريقهم إلى مكان إقامتهم بالقرب من نابلس أو جنين أو طولكرم. غدا سيستيقظ العمال صباحا للبدء مجددا في هذه الرحلة الشاقة.
هكذا يعيش 140 ألف عامل فلسطيني يعملون في إسرائيل هذه الأيام. منهم حوالي 100 ألف داخل الخط الأخضر والباقي يعملون في المستوطنات. يبدو أنهم اعتادوا على الصعوبات الجسدية في طريق الدخول والخروج من والى إسرائيل – ولكن ليس فقط على القمع الممنهج الذي كان نصيبهم منذ عقود، مقابل حق العمل في إسرائيل. تعي الدولة المشكلة جيداً وتحاول حلها، لكنها حتى يومنا هذا لا تزال تفشل بذلك فشلاً ذريعاً.
بموجب النظام الحالي، يدفع عشرات الآلاف من العمال الفلسطينيين 2500 شيكل شهريًا نقدًا للحصول على تصريح عمل في إسرائيل، والذي لا يُفترض أن يكلفهم فلسا واحدا. يتم تقسيم الأموال بين سمسار فلسطيني ومقاول إسرائيلي (يهودي أو عربي). “حتى الآن، دفعت أكثر من ربع مليون شيكل بهذا الشكل”، يقول واحد من أقدم العمال في إسرائيل، والذي عاد عبر المعبر وتحدث الينا. بهذا المبلغ يقول العامل “يمكنك شراء منزل”.
“السلطات مسؤولة عن الاستغلال“
هذا الاستغلال للعمال الفلسطينيين نابع من الشروط التي وضعتها إسرائيل، من بين أمور أخرى بسبب الاحتياجات الأمنية، والتي بموجبها تبدأ طريقة العمل في أراضيها بتقديم المقاول طلب للحصول على تصريح عمل من هيئة السكان والهجرة التي مسجل في سجلاتها اليوم ما لا يقل عن 4200 مقاول إسرائيلي حصلوا على تصاريح عمل للعمال الفلسطينيين. يوضح مكتب منسق اعمال الحكومة في المناطق (المنسق) أنه لا توجد طريقة أخرى. موقف المنسق ينص على انه”نحن نريد للعامل أن يكون له أب وأم في إسرائيل. فقط أولئك الذين لديهم صاحب عمل معروف يجب أن يدخلوا “.
وكأن هناك منطق في هذا الموقف، فالمشكلة تكمن في طريقة التنفيذ. يوضح اساف أديب، المدير العام ل”معًا – نقابة عمالية” التي تمثل العمال الفلسطينيين في إسرائيل: “يمكن أن يكون مقاول البناء أيضًا شخصًا يطلب عشرة أشخاص لمشروع معين”. على مر السنين ترسخت ممارسة غير قانونية حيث يقوم المقاول الذي له عدد تصاريح اكبر من حاجته ببيعها عبر السماسرة بدلاً من إعادة التصاريح لهيئة الهجرة والاعلان عنها بانها غير مطلوبة له. العديد من المقاولين يستغلون امكانيتهم للحصول على عدد تصاريح اكبر من حاجتهم وببيعونها من خلال وسيط فلسطيني للعمال. النتيجة هي ان العمال اللذين اشتروا التصريح بهذه الطريقة يدخولون بموجبها في المعبر لكنهم يعملون مع اصحاب عمل الذين ليس لهم اية اتفاقية او عقد معهم علىى الإطلاق. “لأن العامل لا يستطيع الدخول بدون تصريح ، فإنه يدفع مبالغ ضخمة للسمسار.
هذه مجرد بداية لسلسلة اتصالات وعلاقات تعمل بتنسيق عال للغاية: الوسيط الفلسطيني يحتفظ بحوالي 600 شيكل، والمقاول الاسرائيلي يحصل على ما تبقى (1900 شيكل). في المقابل يصدر المقاول لمن هم الان “عماله” قسيمة اجر وهمية لا تشمل ايام العمل الحقيقية للعامل او اجره الحقيقي. ففي حين يتم الاعلان عن اجر منخفض سيكون المبلغ المطلوب دفعه لقسم المدفوعات (مكتب العمل) من ضريبة وتامينات اقل وبالتالي يبقى مبلغ اكبر بجعبة المقاول. هذه العملية بطبيعة الحال تضر بالعامل كثيرا. العامل الذي يتوقف عن دفع الدفعات الشهرية للسمسار يتم وقف تصريحه فورا.
يقول العمال في الحاجز: “إنت تدفع كل شهر، بغض النظر عن عدد الايام التي عملت بها. مثلا في الشهور التي بها العديد من الاعياد أنت تعمل قليلاً، لكن السمسار غير مهتم. هل تصاب في العمل؟ لا يهم. أنت في أيديهم”.
“كم يتبق لي؟“
يقول البروفيسور كينيث مان، مؤسس مشروع الرعاية القانونية والمدير الحالي لجمعية المساعدة القانونية للفلسطينيين (LEAP): “النظام القائم يجعل العمال يعتمدون على السماسرة الذين يتقاضون حوالي 20٪ من رواتبهم”. أضاف البروفيسور مان قائلا: “لو كان هؤلاء عمالاً إسرائيليين لما سمحت السلطات بهذه الظاهرة غير القانونية. والسلطات مسؤولة عن استمرار تجارة التصاريح. فهي تتيح استغلال العمال الفلسطينيين والثراء على حسابهم”.
في الواقع، فإن التصريح، الذي كما ذكرنا، ليس من المفترض ان يكلف العامل شيكلا واحدا يقتطع قسما كبيرًا من الراتب، وهو ليس مرتفعًا على أي حال. كم يتبق لي؟ يسأل أحد العمال وهو يجري الحساب. “تحصل على حوالي 400 شيكل في اليوم، وفي اغلب الأحيان أقل، أي 8000 شيكل شهريًا. أقل من 2500 شيكل للحصول على تصريح، 1500 شيكل للسفر إلى إسرائيل والعودة، بضع مئات من الشواقل الإضافية مقابل الطعام في العمل، وربما بقي 3500 شيكل مقابل خمسة أيام في الأسبوع. هذه الايام تبدا الساعة 2.00 بعد منتصف الليل وتنتهي في الساعة 5.00 او 6.00 مساء في العودة الى المنزل. في كثير من الأحيان أعتقد أنه إذا كان لا بد لي من البقاء في فلسطين مقابل 150 شيكل في اليوم ، وفي النهاية تحصل على نفس الشيء تقريبًا. “
بالمناسبة، من يدفع “ضريبة التصريح” هم بالاساس العمال الشباب، حيث قررت إسرائيل أنه من يزيد عمره عن 55 عام لم يعد يحتاج الى تصريح عمل ويدخل بشكل حر. هذا القرار جاء لأسباب أمنية. ومع ذلك، فإن عدد العمال من هذه الفئة العمرية، في البناء والزراعة، ليس كبيرًا. يقول مدير نقابة معًا أديب: “قضية العمر تعسفية تمامًا. لو قاموا بخفض الجيل المسموح به للدخول دون تصريح الى 40 عام أو كانوا يحددوا بانه من اجتاز ال40 عاما ليس بحاجة الى تصريح من المقاول لامكن ذلك وقف استغلال العمال”.
لا نعرف أصحاب العمل
على الرغم من أنها صناعة غير قانونية، فهي منظمة للغاية. يقول أحد العمال: “مرة في الشهر، في نفس التاريخ، آتي إلى مكتب في جنين، حيث يجلس محام ويتلقى الأموال نقدًا. لا نتحدث بتاتا عن القبول أو الرفض. لكن كما ذُكر، إذا لم ادفع، فسيتم إيقاف تصريح عملي في إسرائيل”.
عندما سُئل العمال عن المقاولين “أصحاب العمل”، أجبروا على فتح التصريح على شاشة الهاتف والنظر إلى اسم المقاول. إنهم لا يعرفون من هو، رغم أنه أصدر لهم قسيمة راتب.
قسائم الاجور تزعج العمال. حسب هذه القسائم، فهم يعملون طوال الشهر، ومع ذلك يبسطون امامك قسائم اجر يظهر فيها تسجيل من 7 إلى 11 يومًا. يقول احد العمال: “ترى إسرائيل بالضبط من يدخل ومن يخرج في المعبر. كيف يمكن ان ادخل عبر الحاجز 20 يوم في الشهر بينما تشير القسيمة بانني عملت فقط سبعة أيام؟”
أظهر التوجه الى منسق اعمال الحكومة في الأراضي (المنسق) أن المعلومات المتعلقة بدخول وخروج العمال التي يتم جمعها بواسطة تسجيلات البطاقة الممغنطة التي يمتلكها كل عامل، تعتبرها السلطات “معلومات أمنية”، وبالتالي لا يمكن نقلها الى سلطة الهجرة. “لا نعرف لماذا دخل العامل إلى إسرائيل وما إذا كان قد جاء للعمل”، كما يقول مصدر في جيش الدفاع الإسرائيلي. يجب التحقق من ذلك من قبل سلطة السكان والهجرة.
سلطة الهجرة من طرفها ترى نفسها ليست مسؤولة عن الوضع وقالت لنا: “إذا كان هناك قلق بشأن التجارة بالتصاريح نحن نتصل بالشرطة”.
تجارة التصاريح تدار على العلن
لا تقتصر تجارة التصاريح على كونها مشكلة أخلاقية تخص استغلال العمال الضعفاء. هي أيضًا مشكلة اقتصادية. تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي (INSS) بقلم حجاي إتكس ووفاق عدنان من عام 2021 يقدم صورة حول صناعة التصاريح التي تتم على نطاق واسع، والتي زاد حجمها.
“في عام 2019 ، اشترى حوالي 43000 عامل تصاريح عمل مقابل ما يقارب 2300 شيكل للشهر. بلغت الإيرادات في عام 2019 1.2 مليار شيكل، وقدرت منظمة العمل الدولية الربح من التجارة ناقص نفقات أصحاب العمل (بما في ذلك الضمان الاجتماعي والمعاشات التقاعدية) بـ 427 مليون شيكل. في عام 2020، وعلى الرغم من الإغلاق، اشترى حوالي 40 ألف عامل تصاريح عمل شهريا 2،440 شيكل وكانت الايرادات مليار شيكل”.
كما ذكرنا، تدار هذه الصناعة على العلن. وجاء في التقرير: “ينشر العديد من سماسرة التصاريح عروضاً على وسائل التواصل الاجتماعي لأنواع مختلفة من التصاريح، وبعضهم لديه مكاتب في الشوارع الرئيسية. ويوقع حوالي خُمس من عدد العمال على اتفاقيات مع هؤلاء السماسرة ويسلمونه اوراق الزامية (كمبيالة). يُظهر البيع العلني للتصاريح واستخدام المستندات القانونية الرسمية في البيع أن كلا من سماسرة التصاريح والعمال لا يرون أن هذه المعاملات غير قانونية.”
هذه الظاهرة الشائكة كانت على طاولة البحث لدى السلطات المسؤولة عن مراقبة سير الامور في اسرائيل. في كانون الأول (ديسمبر) 2020 اعلنت السلطات عن اصلاح بهدف تعزيز القوة التفاوضية للعمال على حساب اصحاب العمل والسماسرة. وقد الغى الاصلاح حصة العمال الخاصة بكل صاحب عمل وبدلاً من ذلك نقلت السيطرة على الحصة إلى العمال الذين لهم الحق في الحصول على التصريح. هؤلاء يمكنهم التوجه الى أي صاحب عمل مسجل والتفاوض معه بشأن شروط عملهم. هذا التفاوض كان حسب الاصلاح يمكن ان يجري من خلال تطبيق خاص على الهاتف الذي سجل به لليوم 10 الاف عامل. المقاولون الذين لهم حاجة بالعمال من الممكن ان يتوجهوا اليهم مباشرة ودون وسيط.
وعلى الرغم من النوايا الحسنة، فإن العمال – على الأقل أولئك الذين جاءوا إلى معبر إيال الأسبوع الماضي – يواصلون شراء التصاريح. لم يسمعوا بالإصلاح ولا يعرفون بالتغيير. يقول بروفيسور كيننت مان: “فشل الإصلاح في وضع حد لهذه الظاهرة المجحفة”. ويذكر تقرير معهد دراسات الامن القومي أن “الإصلاح لم يؤد إلى خفض التجارة في التصاريح أو إلى خفض أسعار التصاريح”. تتفق مصادر في مكتب المنسق على وجود المشكلة. ووفقًا لمسؤول كبير في قيادة المنسق كان هناك مؤخرًا اجتماع بمشاركة كافة الاطراف المختصة في الموضوع لمناقشة أولية في محاولة لحل المشكلة.
ويوصي معهد دراسات السياسات بحلول مثل تحسين وتوسيع استخدام التطبيق الجديد، وفرض عقوبات صارمة على المقاولين الاسرائيليين والسماسرة الفلسطينيين وذلك من خلال تعاون مع السلطة الفلسطينية. في نقابة معًا يقترحون اعتماد اسلوب اخر من شأنه ان يشكل خطوة كبيرة إلى الأمام بحيث سيتم إلغاء سيطرة أرباب العمل على التصاريح وذلك من خلال استخدام “البطاقة الخضراء” للعمال الفلسطينيين. بموجب هذا الاقتراح يحصل العامل على بطاقة عمل في اسرائيل بموجب فحص امني وجنائي مسبق ودون علاقة بصاحب عمل أيا كان.
يقول مدير معًا اديب: “انطلاق الإصلاح في كانون الأول 2020 كان نوعًا من الاعتراف بأن السلطات تدرك أن شيئًا ما فاسد في مملكة التصاريح هذه. حسب اقتراحنا، لن يكون العمال مقيدين بأرباب العمل، وبالتالي لن يحتاجوا إلى وسطاء، وبالتالي، بضربة واحدة، سيتم إلغاء تجارة التصاريح”.
“نعمل من اجل القضاء على هذه الظاهرة “
من مكتب المنسق قيلّ لصحيفة دي مركر: “مكتب المنسق بالتعاون مع المكاتب الحكومية وسلطات القانون يبذلون جهودًا كبيرة معا بهدف القضاء على ظاهرة الوسطاء والاتجار في تصاريح عمل العمال الفلسطينيين. وهذا من منطلق التزام أخلاقي ومن أجل منع انتهاك حقوق العمال الفلسطينيين العاملين في إسرائيل. ولهذا الغرض، تعمل جميع الهيئات على تنفيذ نموذج التوظيف- على النحو الذي وافقت عليه الحكومة (بمعنى الإصلاح) – مع إدراك أن هذه خطوة مهمة ولها تأثير إيجابي واسع على مجال توظيف الفلسطينيين في إسرائيل، والذي من المتوقع أن يحسن الاتصال المباشر بين العامل وصاحب العمل”.
الى جانب ذلك هناك خطوات اخرى تقوم بها مكاتب الحكومة المختلفة والتي من شانها ان تضع العراقيل امام عمل السماسرة وتجعل عملية الاتجار في التصاريح اشد صعوبة من جانبهم. اضافة الى ذلك هناك مجهود لتمكين اتمام دفع الاجور بشكل رقمي (عن طريق البنوك) للعمال وزيادة عدد التصاريح والبحث في امكانية تحديد حصص التشغيل لاصحاب العمل وذلك بالتنسيق مع سلطة الهجرة”
سلطة الهجرة والسكان قالت: “السلطة هي الطرف المسؤول عن منح التصاريح لاصحاب العمل الذين لديهم مكانة مقاول مسجل وذلك بموجب معلومات تصلنا من مسجل المقاولين. المدير العام لسلطة الهجرة بادر الى اجراء حوار عبر مائدة مستديرة لبحث القضية مع جميع الشركاء – الإدارة المدنية ووزارة البناء والإسكان ووزارة العدل – ويتم حاليًا العمل على تطوير الحلول التي من شأنها إحداث تغيير في هذا الشأن.”